ليس غريباً ، في زمن ثقافة الصورة وتسلطها ، وحضورها عبر كل وسائل الاتصال ، أن تأخذ كل هذه القوة التسلطية القادرة على تقويض ثقافات وقناعات سائدة وراسخة ، والعمل على استبدالها بثقافات هجينة ومزورة. والحال أن الإسلام الذي ساهم ، بحق ، في رفد التحضر الإنساني ، عبر أكثر من قرن ، بالعديد من الرموز الفكرية والفلسفية ، بما يكفي لتشييد حضارة كاملة ، تحول بفعل استدراجاته نحو أفخاخ الميديا العالمية ، على اختلاف أنواعها إلى عدو حقيقي للحضارت ، كما أراد هنتنجتون ، وكما اشتهت كراسته الخاصة بصراع الحضارت. ومنذ أن أعلن الرئيس الأميركي الأسبق ، بوش الإبن ، صيحته في الحرب على الإرهاب ، إبان تقويض برجي نيويورك ، تحول الإسلام إلى عدو حقيقي للحضارات الإنسانية. وبدأت وسائل الإعلام الغربية تتلقف الأخبار الخاصة بالمرجعيات الثابتة إسلامياً ، ومحاولة تدويرها ، من جديد ، وتخريب توجهاتها. وقد أدى التهويل الإعلامي لإرهابية الإسلام إلى حرب مسكوت عنها في غير مدينة غربية: حرب أساسها العنصرية والطائفية والمعاداة لكل ما هو إسلامي. ولهذا صار عادياً أنْ ينهض شاب ، وسط محكمة ، كي يطعن مسلمة أمام القاضي ، لا لشيء سوى أنها مسلمة محجبة. وصار من الطبيعي ، أيضاً ، أنْ يتم التطاول على مكان التدين الإسلامي المتمثل في المئذنة ، والعمل على استدعاء أعضاء البرلمان والتصويت على مستوى ارتفاعها ، وربح القضية ، ديموقراطياً ، حيث تم إلغاء المآذن ومنع ارتفاع بنيانها. ومع تردي مستوى الدفاع العربي والإسلامي عن الإسلام ، صارت الميديا العالمية قادرة على تثوير الرأي العام العالمي ، في غير عاصمة عالمية ، كي تباشر باطلاق الفتاوي الطازجة التي تخص الإسلام. وبات من الممكن أن يتقدم الرئيس الفرنسي ، ساركوزي ، وأن يترك كل الحماقات الاقتصادية التي وقعت فيها فرنسا ، وينخرط في نقاشات ثقافية وتعليمية عن النقاب والعمل على منعه في الأماكن الفرنسية والباريسية. وقبل أسبوع ، وبتوقيت خبيث مع ذكرى تقويض برجي نيويورك ، تنهض فكرة بناء مسجد قريب من مكان الانفجار ، وكأن نيويورك ضاقت ، بوصفها مدينة ، إلا في هذا المكان ، تحديداً. وتكبر أفخاخ الميديا لتتحول قضية بناء المسجد يجوار مكان البرجين إلى مساحة إعلامية ، تقود أوباما ذاته كي يتدخل بالموافقة على بناء المسجد ، ومن ثم يتراجع. يحدث هذا وسط حملة مكثفة على اقتياد الإسلام وأتباعه إلى منطقة الضوء الإعلامي العالمي الموجع ، كي تتحول الأقدام الأميبية الكاذبة ، لهذا الإعلام ، إلى أقدام فيلية هارسة كلَّ محاولة تنوير للالتباسات وسوء الفهم. لقد وقع الإسلام ، إذن ، في براثن القوى الإعلامية وأفخاخها ، وأصبح لدى هذه القوى الإعلامية خطورة تفريخ المتطرفين الإسلاميين ، تحت أكثر من عنوان جهادي ، وخطورة إيقاظ ضغائن الحرب الصليبية ، التي ظلت نائمة ، في قيعان الوعي الجمعي الغربي ، حتى أيقظها هنتنجتون. ويبدو أن أفخاخ الميديا العالمية ، التي يحكمها اليهود ، على الاغلب ، تعمل على جر العرب والمسلمين إلى منطقة الهولوكوست والكره العالمي ، بحيث يتم استبدال اليهود بالمسلمين. وبهذا تصدق نبوءة الشاعر العراقي ، مظفر النواب ، حين قال ، في قصيدة له: «سنصبح نحن يهود التاريخ.. ونعوي في الصحراء بلا مأوى». وهذا بالضبط ما تسعى اليه افخاخ الميديا العالمية. خليل قنديل