{ وأنا أستمع لإذاعة البيت السوداني ظهر أمس وهي تنقل احتفالية أقامها مجلس القطن بالنهضة الزراعية إيذانا بجني محصول الموسم الحالي والبث ينطلق من (حواشة) نموذجية بالفاو القرية (33)، وقد عادت بي الذاكرة إلى أيام خلت من الزمن الجميل وبدأت أتتبع الاحتفال وأنا أقارن بين الأمس واليوم وأتساءل هل من عودة الحياة لهذا المحصول النقدي صاحب المبادرة النقدية الأولى في اقتصادنا واليوم البلاد في أشد الحاجة له وهي تفقد (76%) من عائدات النفط وتتأثر به وهي تجاهد من جديد لتعوض الفاقد باكتشافات جديدة ربما لعب القطن دور الحصان الأسود وحضر بمليارات دولارية قبل أن يخرج الزيت من باطن الأرض. { ما سمعته ربما يحدث مفاجأة مدوية وسارة لأهل السودان والتجارب التي جرت في هذا الموسم وزرعت (500) ألف فدان كانت صارمة في التوقيتات وعلمية في العمليات الزراعية وكأن أناس من القمر هبطوا وأنجزوا هذه العمليات وهي تبدأ ب (الخلخال) الذي ينجز الحراثة في أول عملية من عملياتها بطريقة جديدة لم تدخل زراعتنا من قبل ثم يليها (الجيزل) ليضيف إلى الآلة التي سبقته ثم يدخل (الديسك هرو) ثم الطراد وبهذه الأليات والمعدات تحرث الأرض كما تحرث في المعاهد العلمية المتخصصة في زراعة القطن ويتم استخدام مبيد السماد المركب وتشرف على هذه العمليات والتعليمات الزراعية الصارمة شركة (ميتكوت) وهي صاحبة النموذج الزراعي الذي يقام فيه الاحتفال وتستثمر في زراعة القطن وقد أنتج الفدان الواحد خمسة قنطارات من القطن وبحساب هذا المعدل فإن المساحة الكلية المزروعة هذا العام وهي (500) ألف فدان كما أسلفنا ستعود على البلاد ب (700) مليون دولار. { علمت من خلال البث المباشر للإذاعة أن مجلس القطن بالنهضة الزراعية يخطط لزراعة عشرة ملايين فدان قطنا من جملة أربعين مليون هي المساحة التي تتم زراعتها في السودان وبحساب الرياضيات وبمعدل الخمسة قنطارات التي ينتجها الفدان الواحد فإن الدخل القومي موعود سنويا بستة مليارات دولار وهي حسب علمي أكثر من الدخل الذي يعود على بلادنا من النفط حتى قبل انفصال الجنوب وهذا التخطيط سبقته ترتيبات كبيرة انطلقت في كافة المجالات ودراسات علمية ربما تكتمل عقب عطلة عيد الأضحى المبارك وترفع إلى المجلس الأعلى للنهضة الزراعية لتتم إجازتها ومن ثم يبدأ البرنامج الأكبر في تاريخ الزراعة ببلادنا لاسيما وأن تجهيزات ضخمة أنجزها مجلس القطن وشركة السودان للأقطان المحدودة غطت جوانب أبحاث القطن وإنتاج عينات جديدة وتحليل التربة وإعادة تأهيل المحالج المتوقفة عن العمل كما تمت إضافة وحدات حليج وأخرى للفرز عبر الآلة بعد أن كان يدويا كما نجحت الجهود في إزالة العسلة وهي إحدى الأمراض التي كان يعاني منها القطن السوداني مما أسهم في رفع القطن السوداني من قائمة الأقطان المصابة بالعسلة كما يجري العمل لقيام مصنع لسماد اليوريا بقيمة (500) مليون دولار. { عموماً فإن السودان أمام نهضة جديدة وتحد أكبر ما دامت الأرقام واضحة والجهود على الأرض تمضي نحو غاياتها وأهدافها المخطط لها وهذا البرنامج كما سمعت من عدد من المزارعين الذين استنطقتهم الإذاعة يكشف عن حماس وروح جديدة تدب في دواخلهم ويكشف عن إرادة قوية للدولة وهي تمضي نحو غاياتها وكأن هذا الشوط من أشواط الوطن الهادفة إلى النهضة الاقتصادية الشاملة هو تحدي شخصي للعاملين في هذا البرنامج زراعة عشرة ملايين قطن وأنا أتفحص أحاديثهم من خلال هذا البث المباشر ومن خلال فيلم شاهدته عن زراعة القطن في السودان أخرجه الأستاذ أسامة سالم جاء بعنوان (عودة الحياة). { على ذكر الفيلم التلفزيوني جال في خاطري ذلك البعد الفني والإبداعي الذي كان مصاحبا لزراعة القطن في ربيعها الأول والناس يرددون الأغنية الشهيرة: «في الجزيرة نزرع قطنا نزرع نتيرب نحقق أملنا يلاك يا أخوي يلاك للزراعة دي قطن بلادنا أجمل بضاعة»، وقد كانت هذه الأغنية تمنح الحياة في تلك الأنحاء طاقة هائلة من الأمل والإنتاج فليت مبدعي بلادنا يشاركون في هذا المشروع الكبير وبدلا من أن نقول (في الجزيرة) نقول (في السودان) ونزرع تلك العشرة ملايين ونحصد الستة مليارات سنويا. فلنتكاتف جميعاً من خلف هذا الحلم الأقرب إلى المنال...