لو تذكرون، فإن بنك السودان المركزي كان قد أصدر عدداً من الاجراءات والضوابط قال إنها للسيطرة على ارتفاع الدولار الذي وصل آنذاك خلال مايو، عندما أصدر اجراءاته وضوابطه إلى (2.7) جنيه بإيقاف عدداً من الصرافات المخالفة وأوقف كذلك عدداً من الموظفين وحدد مبالغ الدراسة والسفر والعلاج، بل ذهب لأكثر من ذلك، عندما أصدر قراراً قضى بأن يستلم المسافر حصيلته من النقد الأجنبي بمطار الخرطوم وتم وفقاً لذلك افتتاح مكاتب للصرافات بمطار الخرطوم. ولكن يبدو أن تجار السوق الأسود لديهم المقدرة الكافية لابتداع أساليب تفوق أساليب البنك المركزي ومهما أصدر بنك السودان من قرارات كانت هنالك في المقابل اجراءات أقوى من قبل تجار العملة بالسوق الأسود. الآن وصل الدولار (3.6) رغم ضوابط واجراءات بنك السودان ليؤكد ذلك ما ذهبنا إليه عندما أشرنا إلى الأساليب الخارقة لتجار السوق الأسود الأمر الذي دعا بنك السودان إلى أن يصدر قراراً لضخ كمية كبيرة من العملات الحرة بالمصارف والصرافات، لمقابلة الطلب على الدولار، ومن ثَمّ انخفاض سعره. اليوم الأحد ستشهد البنوك والصرافات ضخ كمية من العملات الحرة كما أعلن ذلك د. صابر محمد حسن محافظ بنك السودان فهل يا ترى ستنجح هذه الاجراءات في إيقاف تصاعد الدولار؟ إذن.. ما هي الأسباب التي أدت لتصاعد أسعار الدولار حتى وصل إلى (3.6)؟ وما هو رأي البنك المركزي في ذلك؟ د. صابر محمد حسن يبدو أن لديه رؤية غير الرؤية التي يزعمها التجار والمتعاملون مع الدولار حيث قال: «لابد أولاً من توضيح الحقائق والمعلومات عن الوضع الاقتصادي خاصة وأن هنالك معلومات تم تداولها أدت إلى خلق بلبلة وعدم اطمئنان بين الناس وهذا بالطبع سيخلق مشكلة للوضع الاقتصادي بصورة عامة، ونحن في الاقتصاد يفترض أن يكون حديثنا مبنياً على المعلومات والأرقام، الاستفتاء وآثار الانفصال. فالاستفتاء حقيقة يمكن أن يقود للانفصال وإذا حدث سيكون له بعض الآثار السالبة على الاقتصاد، فالاقتصاد السوداني قبيل الأزمة المالية العالمية كان يسير بصورة جيدة، ولكن الأزمة كان لها تأثيرها الواضح حينها اتخذنا خطوات وقد نجحت ولكن في المقابل كانت هنالك التزامات ترتبت على الخطوات. فالتضخُّم وصل يناير (2010) إلى (14.6%) وفي فبراير (14.3%) ومارس (14.8%) وأبريل (15.1%) ومايو (15.2%) ويونيو (15.6%) حينها أدخل البنك المركزي تعديلات واجراءات لتوجيه السياسة النقدية وتمت زيادة الاحتياطي النقدي من (8%) إلى (11%) كانت هذه الاجراءات في مايو حيث انعكست على معدل التضخم في يوليو ووصل إلى (13%) وكان في أغسطس الماضي (2010) (10.3%). إذن.. السياسات التي أُتخذت بدأت تؤتي أُكلها، فالضوابط كانت للضغط على السيولة في البنوك لكن الهدف كان احتواء تصاعد الضغوط التضخمية لتهبط من (15.6%) إلى (10%) أيضاً الصادرات غير البترولية كانت من يناير 2009م وحتى أغسطس منه ما قيمته (474) مليون دولار. الآن وخلال نفس الفترة للعام 2010م بلغت مليار و(73) مليون دولار. فالتعثُّر المصرفي وصل (17%) بعد أن كان (27%). فالوضع الاقتصادي رغم التأثير الذي حدث له إلا أنه استطاع أن يتعافى وهذا معناه أن الجهد حقق النتائج المرجوة وسنعبر أزمة الانفصال كما عبرنا الأزمة المالية العالمية والحقائق على أرض الواقع تعطينا ثقة في أنفسنا. د. صابر محمد حسن أكد وهو يتحدث في المؤتمر الصحافي الذي عقده برئاسة بنك السودان، أكد أن أثر الانفصال والبترول على الوضع الاقتصادي لن يكون بأي حال من الأحوال أكبر من الأزمة المالية، فالنقد الأجنبي إبان الأزمة هبط إلى (76%). وفيما يختص بالبترول أوضح أن البترول المنتج (80%) منه يذهب للجنوب و(20%) للشمال ومن نسبة إلى (80%) (50%) منها يذهب للجنوب و(30) للشمال فعندما يحدث انفصال لا يذهب جله للجنوب. نعم معظم حقول البترول بالجنوب ولكن الشمال يمتلك البنيات التحتية، فالتصدير يتم بالشمال عن طريق توظيف البنيات التحتية فلابد من شراكة واتفاق بين الشمال والجنوب حول كيفية إدارة البترول بطريقة تساعد انسياب البترول للصادر ولابد للدولتين من الوصول لاتفاق. الشمال سيجني نسبة عالية وأكبر من التي فقدها إبان الأزمة المالية العالمية فقدرتنا الاقتصادية مكنتنا من عبور الأزمة التي تركت خدوشاً وجروحاً، فحتماً الجروح «ستبرأ» والجرح «سيلتئم». أما في حالة الانفصال فستكون أكثر قدرة فالإدارة الاقتصادية قد اكتسبت خبرة أفضل في حالة الانفصال فهنالك استعداد مبكر للتعامل مع الاحتمال (الأسود). فالجو الذي يسود الساحة السودانية الآن والحديث عن الاستفتاء والوحدة والانفصال حقيقة ترك القلق وعدم اليقين وعدم الاطمئنان. كل هذه الأمور أدت إلى زيادة الطلب على الدولار من أجل حماية المخزن للقيمة، فالاقتصاد العالمي يمر أيضاً بمشاكل والسودان ليس استثناءً منها ولكن نستطيع أن نقول إن مشاكلنا مقدور عليها ونحن (قدرها) وأكثر (كمان) وقد أثبتنا مقدرتنا بعبورنا الأزمة المالية وسنهدئ العواطف ونزيل القلق الذي انتاب (الناس) فاعتباراً من اليوم (الأحد) سنضخ كمية كبيرة من العملات الحرة للبنوك والصرافات حتى ينخفض الدولار ويتناسق مع حقائق الاقتصاد، سنمتص الزيادة التي جاءت بسبب القلق والمعلومات غير الحقيقية التي بُنيت على رؤى انطباعية. فقد بدأنا بناء الاحتياطات وزيادتها ولدينا احتياطي معقول وسنزيد نسبة الاحتياطي للبنوك. بدر الدين محمد نائب محافظ بنك السودان اعتبر زيادة أسعار العملات الحرة كانت بسبب الحرب النفسية التي تعيشها الساحة بل أن البعض ذهب لأبعد من ذلك عندما قرر تحويل كل (قروشه) إلى دولار وتحويلها خارجياً والاستفادة منها في شراء شقق بالخارج في حالة حدوث الانفصال. فنحن حقيقة قادرون على إدارة الاقتصاد، مشيراً إلى أن التنوُّع في مصادر الإيرادات من النقد الأجنبي تعتبر من ضمن الاستعدادات للمرحلة المقبلة، فالبترول ثروة ناضبة ما لم يحدث استكشاف جديد ولابد من تنويع مصادر دخل الدولة فسياستنا هي توضيح الحقائق وزيادة العرض من النقد الأجنبي حتى يهدأ الموقف ويهبط سعر الصرف إلى أقل مستوى ممكن حتى يتناسق مع حقائق الاقتصاد. محافظ بنك السودان تطرّق كذلك إلى (العملة) ومعالجتها حالة الانفصال حيث أشار في حديثه إلى الاتحاد النقدي بين الدولتين لفترة يتم الاتفاق عليها بعد الانفصال إذا حدث، هذا الاتفاق سيكون مبنياً على شروط الاتحاد النقدي وإذا لم يحدث الاتفاق بين الدولتين فسيحدث ضرر بلا شك وأضاف «هنالك لجنة مشتركة تعمل الآن وستصل إلى اتفاق قبل الاستفتاء»، كما سيتم أيضاً استجلاب خبراء في هذا المجال. من جانبها أكدت د. نجوى شيخ الدين حمد الناطق الرسمي باسم بنك السودان أن البنك قد أجرى تعديلات في الضوابط والاجراءات التي تنظِّم فتح الحسابات بالعملة الحرة واستخدامها وتغذيتها، وقالت إن التعديل سمح بفتح الحسابات الجارية الحرة عن طريق التحويلات من الخارج أو بعد إبراز المستندات المؤيدة لحصول الأفراد على تدفقات نقدية مستمرة كالذين يتقاضون مرتبات بالعملة الأجنبية وسمح منشور بنك السودان في هذا الصدد للعاملين بالدولة فتح حساب إدخار أو استثمار فقط دون منحهم دفاتر شيكات على أن يكون الحد الأدنى لفتح الحساب الجاري (5) آلاف يورو أو ما يعادلها من العملات الأخرى على أن تظل ضوابط فتح الحسابات للجهات الحكومية والمؤسسات العامة سارية دون تعديل.