قبل أيام أعلن رئيس الجمهورية، عمر البشير، أن الدستور الانتقالي القائم حالياً ستطاله تعديلات وصفها بالكبيرة، مجدداً تعهده بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في الحكومة بمفهوم يختلف عن مفهوم الأحزاب المرتكز على الحكومة القومية أو الانتقالية. وقال البشير إن لدينا تفويضاً شعبياً عبر الانتخابات لإدارة البلاد ولن نكون الحزب الوحيد وسنفتح باب المشاركة وفقاً لبرامج واضحة لكل من يرغب في ذلك، مشيراً لحوار واسع يجري الآن مع القوى السياسية الأساسية بما يفضي إلى توافق يلبي ظروف واحتياجات البلاد خلال المرحلة القادمة. إعلان البشير بتلك التعديلات وجد صدى طيبا في اوساط القوى السياسية والقانونية.. يقول الخبير الدستوري محمد أحمد سالم إن أي تعديل في الدستور فالمادة 224 تنص إذا وجد أي تعديل للدستور أو يمس اتفاقية السلام فهنا لا بد من موافقة الطرفين أي المؤتمر الوطني والحركة، قبل إجراء التعديل والنص الثاني يقول: إن يتم التعديل بأغلبية ثلثي مجلس الولايات على حده وثلثي المجلس الوطني وهذه هي الآلية أي بنسبة الثلثين وبالتشاور والتفاوض مع الحركة الشعبية وهذه هي الإجراءات الصحيحة. أما الطريقة المثلى أن نفرق بين اثنين وهما إعداد دستور يحتاج إلى منبر واسع وشورى واسعة ووقت أطول وتعديل الدستور يحتاج حتى الآن للتشاور مع الحركة الشعبية اذا استمر نوابها في البرلمان. وأضاف سالم: هناك طرق ديمقراطية وغير ديمقراطية لإعداد الدساتير وهناك فرق بين تعديل الدستور وإعداد دستور جديد.. فإعداد الدستور الجديد هناك طرق ديمقراطية، وهي الجمعية التأسيسية أو الاستفتاء الشعبي هي الطرق الديمقراطية، أما غير الديمقراطيين وهو أسلوب المنحة أو التعاقد والمنحة أيام الملوك وهي انتهت وهي أن يمنح الملك شعبه الدستور كهبة.. والتعاقد بين الملك أو الحاكم وممثلي الشعب.. والآن انتهت هذه الوسائل والوسائل غير الديمقراطية الآن هي إما عن طريق ممثلي الشعب أو الاستفتاء، وأنا أرى في كل الحالات من المطلوب إدارة حوار واسع وتشاور لا يستثني أحد، يضم كل الطوائف والقوى السياسية وكل الأجيال والتخصصات يجلسون على صعيد واحد يناقشون المسائل المتعلقة بمستقبل السودان ووضعية الدولة في الشمال.. وأضاف سالم: أنا من أنصار بعد انتهاء الفترة الانتقالية عمل دستور جديد.. لأن الدستور القديم لا يفيد فيه الترقيع ودائما من الأفضل أن نبدأ بدايات جديدة دون مساس بالأحكام الموجودة في الدستور بخصوص شرعية واستمرارية المؤسسات المنتخبة.. وإعداد دستور جديد لا يعني أن تحل البرلمان وإلغاء الانتخابات وتخوض انتخابات بعد اقل من سنة، ولكن إعداد الدستور يعني أن تجتمع كل القوى السودانية وتحدد نريد نظاما رئاسيا أو برلمانيا، وحكما مركزيا أو اتحاديا وهكذا.. أنا أفتكر طريقة إعداد الدستور عبر حوار وطني واسع لا يستثني أحد وهذا فيما يتعلق بإعداد الدستور بينما يرى الأمين العام لحزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل أن الدستور الراهن مرتبط بشرعية الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وعليه يظل ساري حتى الانتهاء من الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو القادم، وأن أي تعديل لأي مادة من الدستور مرتبط بشرعية الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية مواد الدستور تعد خرقاً لدستور عام 2005 الانتقالي؛ لأن أي تعديل يجب أن يخضع للاتفاق بين شريكي الحكم قبل اخضاعه لمنضدة البرلمان، وبنهاية الفترة الانتقالية تكون قد سقطت شرعية الشراكة بين الوطني والحركة. كما يعتقد إسماعيل أن خرق وتعديل الدستور في هذه المرحلة السياسية الحرجة سيخلق أزمة دستورية جديدة، وسيفرض واقعا سياسيا جديدا لا يتماشى مع مطالب القوى السياسية الداخلية في كافة المسائل المتعلقة بالدستور والحكم والقرار السياسي. وأضاف: لا بد للهيئة التشريعية من أن تراعي لخطورة المرحلة المقبلة ما لم يتم التوافق على جميع القضايا الدستورية. الانفصال تأكيد للتقليص أما المحامي والقانوني غازي سليمان فيؤكد أن الدستور الانتقالي للعام 2005 ينص أنه في حالة تصويت الجنوبيين للانفصال يتم إسقاط عضوية الحركة الشعبية من الهيئة التشريعية القومية بالبرلمان؛ ووفقاً لذلك يتم تعديل وتقليص البنود والمواد الخاصة بالجنوب والعملية الانتخابية والاستفتاء من (226) مادة إلى (168) مادة، وهو ما يؤكد إنفاذ اتفاقية السلام الشامل بالمجلسين الوطني والولائي. ويقول غازي إن هذا إجراء عادي لا يمثل أي خطورة للمسائل الدستورية والقانونية بالبلاد، وهذا الإجراء لا علاقة له بتاريخ نهاية الفترة الانتقالية في 9 يوليو2011م. وقال لا بد الحركة الشعبية أن تخلي مقاعد أعضائها فوراً بعد الإجراء الذي اتخذه وزير العدل أمام البرلمان بتلاوته لتقليص المواد الدستورية، ولكي تعلم جميع الكيانات والقوى السياسية بالبلاد أن ما تم من إجراء هو إنفاذ لبنود نيفاشا. يقول رئيس حزب العدالة مكي علي بلايل: إنه إذا انفصل جنوب السودان بنص الدستور الانتقالي للعام 2005 يجب أن تسقط مهام الجنوبيين في كافة منافذ الحكم بالدولة، فضلاً عن ذلك سقوط مهامهم في عضوية البرلمان الوطني والولائي. ويرى أن إقرار البنود الدستورية والقانونية من البرلمان يجب أن يتم دون تدخل الشريكين. ولكن رئيس هيئة الأحزاب والتنظيمات السياسية الأستاذ عبود جابر سعيد يرى أن الدستور الانتقالي في عام 2005 كان هادئا ومنظّما، وكان ذا خصوصية واضحة في التعاطي مع قضايا اتفاقية السلام الشامل؛ وهو – أي الدستور- يتقلص تدريجياً بعد الانتهاء من عملية الاستفتاء التي أفضت لانفصال الجنوب؛ وبالتالي أن ما ذهب إليه البرلمان في إسقاط الأبواب والفصول والمواد والجداول الواردة بالدستور الانتقالي لعام 2005، يُعد إصابة صحيحة للتشريع الدستوري بالبلاد، وجاء مواكباً للمادة (226) الفقرة (10) والمادة (118) التي نصت على انتهاء أجل الفترة الانتقالية وعضوية الجنوبيين في المؤسسات التنفيذية والتشريعية بالدولة. ويقول عبود: إن هذه التعديلات في الدستور جاءت وفقاً ما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل، كما أن جميع مواد الدستور في الفترة الانتقالية وخاصة بعد الاستفتاء الذي قاد إلى الانفصال تعتبر لاغية حتى تصبح (168) بدلاً من (226) مادة، ينتهي أجلها بعد 9 يوليو المقبل. تنقيح واسقاط ويقول الخبير القانوني والقيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور إسماعيل الحاج موسى: إن القوانين التي تتعلق بالجنوب تسقط تلقائياً بتنقيح الدستور، وأن دستور السودان نص في المادة (226) الفقرة (10) على أنه حال إعلان نتيجة الانفصال تسقط كل المواد المتعلقة بالجنوب تلقائياً. ويشير إسماعيل أن من يتحدث عن بقاء المواد الدستورية لا يتحدث من ناحية قانونية بل من ناحية سياسية، كما لا يحق للحركة الشعبية الاعتراض على إسقاط هذه المواد، لكنه يمكن أن تبقى هذه الأجهزة التنفيذية من نواحي سياسية على مستوى الرئاسة أو باتفاق الشريكين؛ ومع ذلك يقول الحاج موسى: إنه إذا وجدت قوانين تتعلق بالمواد التي سقطت من الدستور فإنها تبعاً لذلك ستسقط تلقائياً، لأن الدستور يعتبر أعلى مرتبة سيادية بالبلاد. نقلا عن الرائد 9/3/2011