في إحدى مقالاتها الشاهقة بصحيفة «الأهرام اليوم» كتبت الروائية أحلام مستغانمي، أنها ذات رمضان كانت عاكفة على كتابة إحدى رواياتها، وكانت تخرج من عزلتها تلك للإفطار ولتسأل سؤالين اثنين، هل تزوجت زهرة في حلقة اليوم من المسلسل؟ وهل تمكنت واشنطن من القبض على أسامة بن لادن؟ ثم لم تلبث أن تعود بعد الإفطار ومعرفة الإجابة على السؤالين، أن تعود إلى عزلتها. ومؤسسة الملاذات، الجناح المصرفي، منذ أن اندلعت أخبار الاعتداء على بنك التضامن الإسلامي بنيالا، كانت تخرج باكراً لطاولات الصحف ومكتباتها، وقبل عملية الشراء كانت المؤسسة تطرح سؤالين اثنين على صاحب المكتبة، هل قبضوا على المجرمين الذين سطوا على بنك التضامن؟ والسؤال الآخر، هل ما زالت وزارة المالية على قرارها الذي قضى بعدم استيراد السيارات المستخدمة؟ قال لي صاحب المكتبة يومها، لقد عثروا على غزاة بنك التضامن بنيالا، ولكن في المقابل لم تعثر «مؤسسة الملاذات» على «السيارة المستخدمة»، وفي رواية أخرى سيارة «أورنيك الجمارك»، ولا أملك ساعتها إلا التعبير على طريقة (أريتك تبقى طيب وأنا البي كله هيّن»، والإشارة هنا إلى بنك التضامن الإسلامي. و«قصتنا» طويلة مع مؤسسة بنك التضامن، المؤسسة التي غادرتها منذ سنين عدداً، ولكنها في المقابل لم تغادرني، ولا نقبل أن تشاك بشوكة ونحن آمنون في سرب صحائفنا، فضلاً عن أن تروّع تلك المؤسسة بعملية سطو مرعبة أجبرت الصحف أن تضعها على «خطوطها الحمراء الأولى». فلقد تعلمت في هذه المؤسسة المصرفية الإسلامية أشياء كثيرة تبدأ بعملية «ربطة العنق»، ولا تنتهي بأطروحات «ربط الأفكار وحزم الرؤى»، فلقد أكملت «عملية تمدني» بهذا البنك، فحتى مرحلة الثانوي كنّا نعيش بالريف السوداني الجميل، وإن كانت مدينة شندي تعتبر من الريف القريب من البندر، فكان هذا البنك بمثابة المؤسسة المصرفية التربوية، لطالما خضعنا فيه لدروس مكثفة في السلوك والأخلاق وأدب الانتماء، فترك فينا من القيم ما إن تمسكنا بها لن نضل ولن نشقى. والحال هذه، وبرغم هذه السنين التي تفصل بيننا ما زلت أنتمي أدبياً وفكرياً ووجدانياً لهذه المؤسسة، فلا أنتظر أي هاتف أو إشارة من أي مسؤول بهذه المؤسسة لأتصدى من الحين للآخر إلى ما يعتري تلك المسيرة المباركة، فقط كنت أنتظر مهاتفة من وجداني وضميري لأقوم بدور «العلاقات العامة» التي لا أنتمي إليها وظيفياً، وقبل أن أذهب بعيداً، لأن بعض أعضاء برلمان القراء يحتاجون لاستفسارات مستعجلة عن امتداح المؤسسات المالية، فاحتجت قبل أيام أن أقدم بين يدي سطرين كتبتهما عن الأستاذ سليمان هاشم، أحد مديري البنوك الناجحين، أن أقدم بين يدي تلك الأسطر صدقة وتبريراً، ولا أعرف إن كانت مسوغات هذا المقال كافية أم لا! على أية حال، إن «التضامن» قد تضرر مرتين من جراء هذا السطو الأخير، الضرر الأول «الكدمات والجراحات» النفسية التي خلفتها هذه العملية، والضرر الآخر نتج عن تصريح السيد نائب الوالي بأن «بنك التضامن نيالا» ما هو إلا «دكان» مؤجر بأحد الأزقة، ويفترض أن إدارة البنك تسعى «لمبان شاهقة تشبه المعاني». والصحيح أن بنك التضامن نيالا يمتاز بأفخر المباني وأفخمها، وأنه يوجد بمكان تجاري وبوصف معماري مميزين، على أن فرع بنك التضامن بنيالا لم يتعرض لاعتداء، والمعتدى عليه هو مجرد «توكيل» للبنك، وتوكيلات المصارف عادة تتكون من غرفة أو غرفتين في أحسن الأحوال، وهذا التوكيل يقبع في مكانه هذا منذ ما يقارب العقدين من الزمان، لم يتغير شيء، ولكن الذي تغير هو الأمن، في هذه الحالة لا يتحمل «دكان» بنك التضامن تداعيات أزمة الإقليم، إذ أن الأزمة الأصلية ليست «أزمة دكان» ولكنها أزمة إقليم بأكمله. مخرج: ويبقى السؤال الآخر.. فوزير المالية كان يوماً موظفاً بهذا البنك، وكان والياً لهذه الولاية، واليوم هو وزير «للسيارات المستخدمة»، أي مسؤول عنها.