قرأت ذات كتاب للمفكر الراحل (د. مصطفى محمود): (إن كل اختيار ضد القانون الطبيعي ليس اختيارا إنما إهدار حياة!). فآمنت جداً بأن الجسد هو حرية من الحريات الممنوحة لبني الإنسان وأن إهداره بالمرض وعدم الوقاية المستطاعة منه هو سوء اختيار وضد قوانين الطبيعة والحياة، لذلك آمنت جداً.. جداً بعمل إدارة برنامج التحصين الموسع بوزارة الصحة حيث أنها تعمل على استباق المرض بخطوات بالغة الوساع والنشاط ، تسعى لأن تكون خياراتها لصالح الطبيعة والبشرية بأن تدحر المرض من الأطفال عماد الحياة القادمة، وبذلك تختار أن ترمينا في المستقبل بدلاً من أن يدفعنا ماضي الوبائيات فينا دفعا فنقع - (منبرشين) - على وجوهنا يملأ أفواهنا تراب الندم من سوء الاختيار. والدعوة الفاضلة في الأيام السابقة بحملة متابعة للقضاء على مرض الحصبة نظراً لكونه قاتل خطير وسريع الإنتشار، ناشد البرنامج كافة أبناء الوطن لا سيما الآباء والأمهات التجاوب مع هذه الجهود الضخمة التي يبذلها القائمون على أمر الصحة والطفولة بالبلاد لتغطية (1,869,475) طفل مستهدف في ست ولايات هي (الشمالية، نهر النيل، الخرطوم، القضارف، كسلا، والبحر الأحمر) بذات هذا التعبير نقلاً عن البيان الصحفي للبرنامج وللسيد وزير الدولة بوزارة الصحة الاتحادية (حسب الرسول بابكر). وهي دعوة تتفق مع توجهات الإدارة لحسر مرض الحصبة والقضاء عليه نهائياً، ولو أنها نجحت في ذلك تقريباً بنسبة 90%، إذا وضعنا في الاعتبار أن مرض الحصبة يصيب كل الأعمار، لكن لأن الأطفال دون الخامسة هم الأكثر عرضة للإصابة به، وحيث أنه يؤدي لإسهال حاد وسوء تغذية والتهاب رئوي والتهاب العيون الحاد مع التهاب الأذن الوسطى الذي بدوره يفضي للإصابة بالصمم والتهاب الدماغ. من هنا نبعت ضرورة تطعيم الأطفال الذين ولدوا بعد الحملة اللقاحية الاحتوائية فى الاعوام 2004 2005. بتطعيم الأطفال الذين لم يتلقوا أي تطعيم للحصبة من قبل وإعطاء جرعة ثانية للأطفال الذين تلقوا جرعاتهم الروتينية عند الشهر التاسع لزيادة مناعتهم ضد الحصبة وتقليل حدوث وباء الحصبة وسط الفئات المستهدفة. إن هدف برنامج التحصين الموسع بجانب شركائهم من منظمتي الصحة العالمية واليونسيف هو القضاء على مرض الحصبة في السودان وإعلانه دولة خالية منه - كما حدث في حملة القضاء على شلل الأطفال وأمراض أخرى - إنفاذا للمبادرة الدولية الكبرى التي ترمي للقضاء عليه بحلول العام 2015 بإقليم شرق البحر الأبيض المتوسط. وهو عمل ضخم يتطلب درجة عالية من الاحترافية في العمل بدءاً من العمل الإدراي وانتهاءً بالميداني المحصور في المتطوعين، حيث أنهم دعامة أساسية من دعامات هذا العمل لكنهم يشكلون عبئاً كبيراً لإدارة البرنامج، فهم بجانب متطوعي البرنامج الأساسيين خليط من مجندي الخدمة الوطنية ومتطوعي الهلال الأحمر السوداني وآخرين، لهذا تقل فرص الاستفادة من خبرة تدريبهم بعد انقضاء مدة العمل الطوعي المحدد، ويزيد ذلك من حجم التحديات التي تواجه البرنامج، ناهيك عن المعوقات الأخرى التي تبدأ بالمعتقدات الإثنية والعقدية ولا تنتهي بالميزانية المتاحة لإنفاذ البرامج التحصينية الموسعة. لذلك فإن سعة احتمال نجاح الحملات القومية للقضاء على الحصبة وما جاورها من أوبئة، إنما لن تكون كبيرة ووافية إلا بتوافق جهود العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم من المواطنين ممن لديهم سوء ظن يسير من أمر التطعيم المستمر، بغريزتهم الطبيعية تجاه حماية أطفالهم من كل (شين)، والعمل على زرع الثقة بينهم وبين المتطوعين في التطعيم لتقوية إيمانهم بخياراتهم لحياة أفضل لأبنائهم وبتقوية أجهزتهم المناعية دفاعاً عن أجسادهم لمجابهة ذلك المرض الذي يهدد مرحلة الطفولة بالدرجة الأولى، وتمليكهم حقيقة أن الإجراءات الوقائية قد أعطت اعترافاً بقدرة التطعيم ضد الحصبة على خفض وفيات الأطفال والحد من انتشار المرض، كما أعطت مؤشرات ملموسة لتحقيق الهدف الإنمائي الرابع ضمن الأهداف الإنمائية للألفية في الحدّ من معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة بنسبة الثلثين في الفترة بين عامي 1990 و2015. هنا يكمن مبدأ العمل على عدم إهدار حياتنا في خيارات أولويات أخرى؛ ليست تجاه ما يلي أطفالنا فقط إنما تجاهنا كذلك، فحماية الطفل بالوقاية المستبقة للإصابة بأي مرض إنما فيها تكمن ضماناتنا الاقتصادية بعدم هدر المال لاحقا في بناء المشافي واستيراد المدخلات الطبية والعقاقير الخ.. وضماننا الاجتماعي بعدم هدر الزمن والدعوات والعواطف، وضماننا الصحي بالابتعاد قدر المستطاع عن الرعاية البعدية للمرض بقدرتنا عليه سابقا بمجرد وخزة إبرة وجرعة فم وثواني بكاء ونقطة ضوء في عقل متفتح يثق في أننا قادرون على القضاء على أي مرض ووباء بحرصنا على خيار التطعيم..