ليس هناك أدنى شك في أن كثرة الفضائيات والإذاعات وحتى تعدد الصحف والمنابر الثقافية يوسع من ماعون المشاركات الفردية أو الجماعية لأصحاب المواهب الدفينة أو المكتشفة وتمنح هذه الوسائط الفرصة كاملة للمبدعين لطرح منتوجهم لتكون لهم بذلك واجهة عرض لما يقدمونه من أعمال تجد حظها في الرواج والقبول من المتلقي أياً كانت الوسيلة التي يتلقى بها هذا المنتج. وبذات السعادة التي تغمرني حيال بزوغ فضائية سودانية على أي قمر من الأقمار التي تملأ سماء الإعلام فبذات القدر أحزن حيث تصيب تجربة ما وعكة أو يصادفها عائق يجعلها تتعثر أو تتوقف كما حدث لقناة الأمل التي رغم أننا استبشرنا بها خيراً وهي ترفع شعار الاهتمام بالمنتج الدرامي السوداني وقلنا أخيراً إن الدراما السودانية ستجد لها منفذاً ورئة تتنفس من خلالها إلا أنها توقفت وانقطع بثها، ومؤكد أن السبب مادي بالدرجة الأولى لأن مثل هذا المشروع لا يحتمل أن يقف على كتفي رجل واحد ولابد له من مؤسسة مالية تستطيع مواجهة الدفع بلا حدود لصناعة برامج تستحق المشاهدة خاصة والإعلام المرئي أصبح في واقعه الآن هو صناعة تحتاج لمادة خام ولصناع مهرة ولسوق يستوعب هذا المنتج بكل ما يتطلبه هذا السوق من عوامل جذب وإبهار لكن أن تتوقف قناة واعدة كالأمل بأسباب مادية بحتة هو أمر مؤسف والأكثر أسفاً أن تستمد فضائية استمراريتها فقط لأنها ترفع شعار تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم كواجهة كما تفعل فضائية ساهور التي أحسب أنها ترنو بنظرها إلى هدف وغاية نبيلة لكنها تخطئ الوسيلة. وأقول لكم كيف، إذ أن تعظيم الرسول الأكرم حبيبي المصطفى ليس فقط بإطلاق المدائح صباح مساء ولكن بإنتاج برامج تحكي السيرة المحمدية وأعمال درامية جاذبة لأجيال أصبحت الصورة عندها أهم من السمع تتحدث عن عهد النبوة الأولى وكيف أن الرسول لاقى ما لاقى في سبيل تبليغ الرسالة إلى جانب الحديث عن غزواته وأحاديثه وسننه لكن أن يكون فقط تعظيم الرسول بالمديح على أنغام أغنيات في جو صاخب وفي غالبه مختلط في مناسبات واحتفالات مختلفة فيه ازدواجية ما بين السمو الذي يجب أن تكون عليه مثل هذه الفضائية والهرجلة البرامجية المملوءة صباح مساء بأعمال مسجلة. على فكرة مجرد المقارنة مثلاً بين (ساهور) وفضائية (إقرأ) ليس في مصلحة الأولى لأن إقرأ تقدم مواد تربط المشاهد المنغمس بواقع معلوماتي يحيط به من كل الجوانب مع حالة روحانية تعيده الى نقائه وجوهر نفسه المسلمة التي تتقاذفها الرياح من هنا وهناك. في كل الأحوال إن وجود قناة لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم هو فعل ممتاز يجزى القائمون على فكرته حسن الثواب لكن الوسيلة والطريقة وأصل الفكرة يحتاج إلى إعادة نظر إذ أن الرسالة المحمدية محتاجة الى إعادة نشر وتوضيح في ظل هجمة إمبريالية تستخدم آلة إعلامية تحاول أن تعمي العيون بما تقدمه من نماذج تخفي في داخلها السم في الدسم وليس بالمديح وحده يعظم المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام! كلمة عزيزة أنا شخصياً استمتعت جداً بسهرة (سهران يا نيل) الأخيرة التي أدارها بتميز الأخ سعد الدين حسن والسهرة سرقت بريقها وجمالها من بريق وجمال ضيوفها الشعراء البروف السر الدوليب والأستاذ الصحفي سعد الدين إبراهيم والأستاذ عبدالوهاب هلاوي الذين هم ثلاثتهم متحدثون لا يمل سماع حديثهم وإن كنت قد استشففت أن البروف دوليب غير راض عن المشهد الفني الشبابي لكن مفاجأة السهرة بالنسبة لي كانت في الصوت الواعد معاذ بن البادية وهو واحد من أعضاء فرقة آل البيت. وأحسب أن معاذا قد تأخر كثيراً في أن يحتل مكاناً بارزاً بين الفنانين الشباب لأنه يملك صوتا جميلا وكاريزما واضحة في الحضور وأظن أن هذه السهرة ستكون سبباً في انطلاقة حفيد ابن البادية وإن كان هذا اللقب سيحمله ما لا طاقة له به لكنني أشعر أنه سيكون قدر التحدي فقط عليه باختيار الجميل من الكلمات التي تناسب سنه ومتطلبات جيله لأنها هي الوصفة السحرية لنجاحه وسط فنانين شباب تملكوا الساحة وتسيدوها! كلمة أعز جميل جداً أن تنطلق فضائية تختص بالطفل السوداني لأننا بحاجة إلى فضائية بموروث سوداني في قالب حلوي مستحدث يتناوله أطفالنا بشهية لكن المفاجأة لي أن تكون صاحبة القناة نجمة نجوم الغد عافية حسن التي لا أظن أنها من صفوف الرأسمالية ولم تكن ثروة من أعمالها الفنية فمن أين لعافية أموال تنشئ بها فضائية حتى واحدة؟ اعتقد أنه سؤال مشروع!