كان العنوان الرئيسي لجريدة «الأهرام اليوم» في عددها الصادر أمس الأول الأربعاء الموافق 20 أكتوبر 2010م هو «الميرغني يقلب الطاولة: لم نوافق على حق تقرير المصير» وفي تفصيل الخبر جاء ما يلي: فجّر الميرغني مفاجأة داوية في تصريحات صحافية عقب لقائه مع الرئيس البشير بتبرؤ الحزب الاتحادي عن مقررات التجمع بالإلتزام بحق تقرير المصير لشعب الجنوب التي وردت ضمن أدبيات المعارضة خلال وجودها في أسمرا. وقال إن الوثائق التاريخية تؤكد أن ممثل الحزب سيد أحمد الحسين لم يوقِّع على ذلك الاتفاق مع التجمع لأنه كان معترضاً على مبدأ تقرير المصير». وهو كلام يُطرب ويُسعد ويليق بحزب الحركة الوطنية الذي أنجز منتصف خمسينيات القرن الماضي السودنة والجلاء والاستقلال. وقبل الأستاذ سيد أحمد الحسين فإن أحد أنبل وأصلب القادة الاتحاديين وهو الراحل الدكتور أحمد السيد كان قد اعترض على منح الجنوب حق تقرير المصير عندما طُرح ذلك في العاصمة الأمريكيةواشنطن عام 93، فالسودان قرر مصيره منتصف الخمسينيات والشعوب لا تقرر مصيرها مرتين والمستعمرات هي التي تُطالب بحق تقرير المصير وليس الشعوب المستقلة. وقد ذكرنا موقف الدكتور أحمد السيد حمد في حينه في جريدة السودان الحديث في عمود (قمم وسفوح) ثم عقد مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية عام 1995م وأُجيز مبدأ تقرير المصير وكان في مقدمة الموقِّعين عليه الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والحركة الشعبية. ومع بعض التحفُّظات وعلى مضض فإنه كان مفهوماً أن تطالب الحركة الشعبية - وهي تنظيم سياسي جنوبي في غالبيتها الكاسحة - بحق تقرير المصير وأن يقتصر هذا الحق على الجنوبيين ولكن لم يكن مفهوماً أبداً أن يوافق الحزبان الكبيران التاريخيان الاتحادي الديمقراطية وحزب الأمة على حق تقرير المصير القاصر على بعض السودانيين. وظللنا منذ ذلك الوقت من النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي ندعو بإلحاح الحزبين الكبيرين إلى سحب موافقتهما على مبدأ تقرير المصير، الذي لن يؤدي إلا إلى إنهيار وحدة السودان وتقسيمه إلى دولتين. ولكن سعد باشا الله يرحمه قال (إيه، مفيش فائدة)! ولذلك أيضاً ظللنا نقول باستمرار إنه إذا ما انقسم السودان إلى دولتين فإن في مقدمة من يُسألون عن ذلك هما الحزبان الكبيران الحاكمان المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، والحزبان الكبيران التاريخيان الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة. ثم فوجئنا وفرحنا وطربنا بقول السيد محمد عثمان الميرغني لم يوقّع الاتحادي على اتفاق تقرير المصير والأسئلة كثيرة منها لماذا صمت الحزب الاتحادي الديمقراطي طوال هذا الوقت؟ ومن الذي زجّ باسم الحزب العظيم الذي كان أيام الكفاح ضد الاستعمار هو حزب الحركة الوطنية، في قائمة الموقّعين على البيان الختامي لمؤتمر القضايا المصيرية الذي عُقد في الفترة من 15 إلى 23 يونيو 1995م وتضمّن حق تقرير المصير؟.