إذا ما انفصل الجنوب العام القادم وأقام دولته المستقلة ذات السيادة، فإن اللوم لا ينبغي أن يقتصر على المؤتمر الوطني وحده.. الشريك الأكبر في حكم السودان منذ عام 2005م والمنفرد بحكمه قبل ذلك، وإنما يشمل اللوم آخرين وفي مقدمتهم الحزبين الكبيرين التاريخيين، الاتحادي الديمقراطي والأمة. فقد وافق هذان الحزبان عام 1995م في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية على منح الجنوبيين حق تقرير المصير، مصير السودان وليس الجنوب وحده، واقتصر هذا الحق عليهم وحدهم أي على الجنوبيين. وقلنا ونعيد أن الاتحادي السامق المناضل الكبير.. الوطني طوال عمره الدكتور الراحل أحمد السيد حمد اعترض على تقرير مصير الجنوب الذي أُجيز في أسمرا وطُرح أصلاً في العاصمة الأمريكيةواشنطن. وقال كيف يقرر شعب مصيره مرتين؟ فلقد قررناه منتصف الخمسينيات بإعلان الإستقلال من داخل البرلمان. ولو أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان يوصف أيام الكفاح ضد الاستعمار البريطاني بأنه حزب الحركة الوطنية، وكان فعلاً هو حزب الحركة الوطنية، لو أنه تبنى موقف الدكتور أحمد السيد حمد ابن الحركة الوطنية البار، لكان الموقف الآن مختلفاً تماماً. ولو أن حزب الأمة أيضاً أيام انعقاد مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية عام 1995م اتخذ موقفاً رافضاً لفكرة تقرير المصير، لكان الموقف أيضاً الآن مختلفاً. وجاءت لحظة دفع فيها القلق الصادق على مستقبل البلد الأستاذ فضل الله محمد إلى أن يناشد الحزبين الكبيرين التاريخيين، الاتحادي الديمقراطي والأمة، إلى الدعوة لتجميد فكرة تقرير المصير، ولم يستجب أحد. إن تقسيم السودان إلى دولتين هو أكبر هزيمة يتجرعها السودانيون في العصر الحديث، وهم جميعاً مسؤولون عنها، الحزبان الكبيران الحاكمان، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، والحزبان الكبيران التاريخيان، الاتحادي الديمقراطي والأمة، ونحن جميعاً مسؤولون عنها، نحن الشعب، الشعب الصامت، ونحن الطرق الصوفية، ونحن الهلال، ونحن المريخ، ونحن القبائل، ونحن المسيحيين والوثنيين وأهل كريم المتعقدات. لماذا وكيف ومتى بدأ التفريط في وحدة السودان؟، إننا نشعر عند الوقفة العابرة مع المآلات المرتقبة أننا أصغر كثيراً من السودان وأنه أكبر منا وأننا لسنا في مستواه. إن تقسيم السودان لو تحقق يُسأل عنه بالدرجة الأولى الحزبان الكبيران الحاكمان، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، والحزبان الكبيران التاريخيان، الاتحادي الديمقراطي والأمة. وفي النهاية فإنه رغم التقاعس الحزبي، الحزبي الحاكم والحزبي التاريخي، فإنه لن يصح إلا الصحيح، والصحيح هو وحدة البلد من حلفا إلى نمولي ومن بورتسودان إلى الجنينة ولكن...!