من الحكمة ومن اليقظة ومن التفكير السليم أن يتأهب الجميع لاحتمالين .. احتمال استمرار السودان بلداً واحداً موحداً! يشار إليه دائماً بأنه أكبر بلد عربي أفريقي من حيث المساحة طبعاً التي هي مليون ميل مربع وهي بالمناسبة مليون إلا قليلاً واحتمال انقسامه أو تقسيمه إلى دولتين وعاصمة إحداهما الخرطوم وعاصمة الأخرى جوبا. والراجح أو الأرجح حتى الآن أن الاحتمال الأول أضعف كثيراً فإرادة الصفوة الجنوبية أو الجنوبيين الحركيين مصوبة نحو الانفصال ومهد لهم الطريق إلى ذلك اتفاقية نيفاشا التي وقعت عام 2005م بين الحكومة والحركة الشعبية. ويرجح الاحتمال الثاني أيضاً .. أي احتمال التقسيم أن المجتمع الدولي وفي مقدمته الولاياتالمتحدةالأمريكية يرغب في تقسيم السودان بل تفتيته إلى كيانات صغيرة وقد أشار بعض مسئوليهم من أيام إلى أن الأولوية الآن لإجراء الاستفتاء في مواعيده .. ثم دارفور وأن مما يقلقهم وضع الجنوبيين في الشمال بعد الاستفتاء. وحول هذه النقطة الأخيرة وفي حالة الانفصال فإننا نرجو أن تستجيب الحكومة لإرادة الشارع الشمالي وإلا تخضع لأي ابتزاز أو ضغط. ورغم الاكفهرار والعتمة وعدم اليقين ورغم القلق النبيل فإن المطلوب الآن ألا نيأس وأن ندعو للوحدة ونعمل لها رغم ضعف الموقف الوحدوي عموماً وكنا نحن الذين جعلناه ضعيفاً باتخاذنا أو قبولنا لمجموعة من البنود والقرارات ومنها سحب القوات المسلحة من الجنوب في منتصف الفترة الانتقالية الممتدة من عام 2005 إلى عام 2011م. ويُضعف الموقف الوحدوي ايضاً أن الشمال تحديداً الوحدوي في معظمه يعاني كثيراً من الضعف على كافة المستويات الشارعي والحزبي والنقابي والطالبي .. وفي الماضي القريب كان أي من هذه القطاعات أو هي مجتمعة تشكل قوة ضغط جبارة تعمل لها الحكومة .. أي حكومة.. ألف حساب ومثلاً فإن الاعتراف المهم الخطير الذي نقل قبل أيام على لسان السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي بأن حزبه لم يوافق في أسمرا على تقرير المصير كان من الممكن لو كان الشمال بما فيه الحزب الاتحادي الديمقراطي في أفضل حالاته أن يزلزل الأرض تحت أقدام الجميع شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وخارج السودان. لكن الاستجابة له كانت ضعيفة والانفعال به لم يكن في المستوى المنشود أو المستوى الذي كان يمكن أن يبلغه في الماضي لكن الذي على الأرض ظل كما هو وسوف يبقى كما هو بل إنه سوف يتطور لتكريم وتعزيز تقسيم البلد. ولقد كان المتوقع أن يتلقف الوحدويون على اختلاف أحزابهم ومنظماتهم ونقاباتهم وأعراقهم إقرار الميرغني بأن حزبه لم يوافق على مبدأ تقرير المصير ويتخذوه مرتكزاً لموقف شعبي جامع كاسح جارف، مطالباً بإلغائه أياً كان الثمن وأياً كانت التحديات والمخاطر، فوحدة الأوطان خط أحمر والشعوب المستقلة لا تقرر مصيرها مرتين .. ولكن.. !! صمت الوحدويون صمت القبور وضاعت منهم فرصة نادرة.