{ أمريكا هي التي ستقرِّر أن ينفصل الجنوب عن الشمال.. أو يبقى السودان واحداً موحداً.. وليس «سلفاكير».. ولا «مشار» الذي يسعى للإطاحة ب «سلفا» .. ولا «باقان» الحائر.. ولا «دينق ألور»، ولا.. ولا.. ولا حتَّى (شعب الجنوب) المظلوم المسجون المضطهد. { هذه هي (الواقعيَّة السياسيَّة).. وكل ما عداها تخيُّلات.. وتخرُّصات .. ومحض أوهام.. وإلاَّ فحدثوني عن الذي جرى في انتخابات الجنوب في أبريل الماضي.. ماذا فعلت الحركة والجيش الشعبي بالمؤيِّدين للمرشَّح لرئاسة حكومة الجنوب «لام أكول أجاوين».. بل ماذا فعلوا به هو شخصيَّاً.. ألم يولِّ الأدبار لائذاً بالفرار.. مرتمياً في أحضان الخرطوم (الحنينة)..؟! { ماذا فعل الجيش الشعبي بالجنرال «قبريال تانج» الخارج على إمرة الفريق «سلفاكير ميارديت» العام الماضي.. ألم تقرِّر حكومة الجنوب وجيشها الشعبي طرده من أعالي النيل.. ونفيه إلى الخرطوم.. ومنعه من دخول الجنوب..! وماذا حدث للجنرال «جورج أطور»..؟! بل ماذا حدث لأحد قادة الحركة والجيش الشعبي البارزين، اللواء «تلفون كوكو»، ابن (النوبة) المحبوس الآن في حراسات الجيش الشعبي بأمر «سلفاكير ميارديت»..؟!! { قبل أشهر شاهدتُ، كما شاهد الآلاف، تسجيل «فيديو» تناقلته أجهزة الهاتف السيَّار عبر «البلوتوث»، وفيه مشهد بالغ القسوة، شديد الفظاعة، منقولاً عن ساحة عامة في «جونقلي»، حيث جرى تعذيب وقتل اثنيْن من مواطني الجنوب بحرقهما حيَّيْن على إطارات سيارات تشتعل فيها النار، وأثناء تقلُّبهما على اللهب، أخذ أفراد من (عتاولة) الجيش الشعبي ينهالون عليهما ضرباً بهراوات ضخمة..!! انتهى المشهد.. ولم تنتهِ حالة الرعب والإرهاب التي يعيشها مواطنو الجنوب تحت بنادق عصابات الجيش الشعبي..! { حدَّثني صحفي قادم من «جوبا» قبل أيام قلائل أنه حاول إجراء استطلاع ميداني وسط مواطني «جوبا» حول آرائهم في ما يتعلق بقضيَّة الوحدة والانفصال، فأكَّد لي أن استخبارات الجيش الشعبي صادرت الكاميرا الخاصة به، رغم حصوله على تصريح من الجهات المختصَّة في حكومة الجنوب. وليس هذا هو المهم، بل الأهم أنَّه لاحظ وتلمَّس على أرض الواقع حالة الخوف والهلع التي تنتاب الناس هناك، إلى درجة أن من يؤيِّد خيار الوحدة، يتلفَّت أولاً يميناً ويساراً، ثم يقول كلاماً (ملوَّناً) أو دبلوماسيَّاً، ثم يطالب من بعد ذلك بعدم ذكر اسمه..!! وقد اطَّلعتُ على تحقيق نشرته إحدى صحف الخرطوم قبل أيام، يحوي آراء بعض رموز الفعاليَّات الشعبيَّة من (الجنوب)، المقيمة في الخرطوم، فجاءت العبارات على النحو التالي: (سلطان من قبيلة الدينكا في بحر الغزال - طلب عدم ذكر اسمه - نادى بضرورة وحدة السودان.. وشنَّ هجوماً على الانفصاليين..)..!! { أنا متأكد أن الصحيفة لم تؤلِّف ذلك الاستطلاع، ولم تنتجه في معامل (الفبكرة)، لكنَّ الجنوبيين - كل الجنوبيين بمن فيهم قيادات في الحركة الشعبيَّة تؤمن بوحدة السودان - يواجهون (هجمة إرهابيَّة) عنيفة ومنظَّمة من قبل (جنرالات) الانفصال في الجيش الشعبي، المسنودين بدوائر «صهيُو أمريكيَّة» وأوغنديَّة باطشة، باستطاعتها (تصفية) كل من ينطق بكلمة (وحدة)..!! ألا تذكرون ماذا حدث للوزير «أليو أجانج» عندما (ألمح) إلى تورُّط الرئاسة الأوغنديَّة في تدبير حادثة تحطُّم طائرة «جون قرنق»..؟! ألم يتم إعفاؤه بعد أيام قلائل من ذلك التصريح من منصبه كوزير دولة بوزارة الداخليَّة الاتحاديَّة؟! أين هو «أليو» الآن.. ألم يعد في (هوامش) الحركة الشعبيَّة بعد أن فصلوه.. ثم أعادوه كسير الجناح..؟! { إذن الحديث بأنَّ (شعب الجنوب) هو الذي سيقرِّر مصير الجنوب وكل السودان في الاستفتاء القادم.. أكبر (أكذوبة) في تاريخ السودان القديم والحديث. { نتيجة الاستفتاء يقرِّرها (عُصبة) من قادة الحركة والجيش الشعبي.. وكلُّ من يقول بغير ذلك لا يعرف شيئاً عن السياسة في السودان.. وفي جنوبه على وجه الخصوص. { وإذا اتَّفقنا على أن هذه (العُصبة) الباغية الطاغية هي التي تقرِّر (المصير)، فلا بدَّ أن نتفق على أن هذه (العصبة) صنيعة (مخابراتيَّة) لا حول لها ولا قوَّة أمام سادتها في ال (C.I.A) و«البنتاغون» والرئاسة الأوغنديَّة، التي هي أيضاً مجرَّد (كومبارس) في مسرحيَّة (ماما أمريكا)..!! { أمَّا من يصنع القرار في أمريكا نفسها.. هل هو «باراك أوباما».. أم «بنيامين نتنياهو».. فهذا ما لا أستطيع القطع فيه، ولا أظنُّ أن المبعوث الأمريكي «سكوت غرايشن» - نفسه - يستطيع ..!! فهو (مجرد مبعوث)، يرفع التقارير ويقرِّب وجهات النظر.. ويبذل الوعود لحكومة الخرطوم.. ويكسب الزمن. { غير أنَّني - والله أعلم - أظنُّ أن رئيس وزراء (إسرائيل) هو الذي سيقرِّر ما إذا كان من مصلحة (أمريكا) دعم (وحدة) أو (انفصال) الجنوب..!! فإسرائيل تعرف مصلحة أمريكا.. أكثر من أمريكا..!!