لقد احتفلت في هذه الزاوية منذ فترة قليلة بنبأ إقصاء السيد عبد الرحمن الراشد عن إدارة قناة العربية، هذه القناة التي كما لو أنها نهضت خصيصاً لمناهضة قضايا الأمة العربية والإسلامية، فمنذ أن وصل عبد الرحمن الراشد إلى دبي في عام 2005م لإدارة هذه القناة، التي تزامن انطلاق بثها مع وصول طلائع الغزاة الأمريكيين إلى بغداد؛ وهي لا شغل لها غير ممارسة «صناعة الموت» لكل بارقة أمل تحررية في أوساط هذه الأمة، ورأيت أنها فرصة هائلة لتغيير «السياسة التحريرية» مع تغييره، لا سيما أن المواقع والميديا التي حملت إلينا هذا النبأ يومئذ قد أرجعته «لتململ التيار الإسلامي السعودي» من إفراط هذه القناة في أدب «اللبرلة»، بحيث أنها قد أصبحت ليبرالية أكثر من الليبراليين أنفسهم، وذهبت حيثيات إقالة «الرجل الراشد» يومئذ إلى أبعد من ذلك، حيث ذكرت بعض المواقع أن بث قناة العربية لحلقة عن «الفكر الوهابي» كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، لدرجة أن الأمير سلمان قد نزل بنفسه إلى صفحات الجرائد ليكتب مقالاً بجريدة الحياة اللندنية يحذر فيه من بعض الذين يشوهون الفكر الوهابي، ولم يمض طويل وقت على نشر هذا المقال حتى صدر قرار إقالة السيد عبد الرحمن الراشد. وفي المقابل لم يمض اليوم الذي نشر فيه مقالي الاحتفالي ذاك حتى وجاءتني رسالة من المخرج السوداني الأخ سيف الدين حسن تقول «إن الراشد قد أعيد ثانية لإدارة قناة العربية»، فذهبت لأكتب «أن هذه الأمة ليس بمقدورها أن تقيل مدير هيئة فرعية» فضلاً من أن تتخذ قراراً مفصلياً تحررياً عربياً كبيراً، فبدا كما لو أن عبد الرحمن الراشد الذي وصل المنطقة مع جحافل القوات الأمريكية الغازية ليس بإمكان أحد أن يجعله يرحل عن هذا المنصب إلا بعد أن يرحل آخر جندي من المنطقة، وإلا فمن يتشرعن ويخرّج وجود «قوات التحرير الأمريكية» بالعراق وغير العراق؟ هذه القوات التي جاءت لتخرجنا من ضيق وجور حكوماتنا الشرقية إلى رحابة وسعة الديمقراطية الغربية، ومن غير شاشات هذه «القوات الليبرالية» من يرسم هذه اللوحات السيريالية الرائعة «للشرعية الدولية»؟ وفي المقابل لا يفتأ يرسم تلك الصور القاتمة «لشرائعنا وعقائدنا» الشرقية التي هي ضد حقوق الإنسان والإنسانية! ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وإذا بالعربية بعد عودة «رشدها الليبرالي» تبدو أكثر جرأة، فما لم يقتلك يقويك، وهي تقدم لنا أمس الأول «مأدبة كاملة الدسم» عن الوهابية، كما أسندت إدارة هذا الملف الوهابي لإعلامي عربي آخر هو أكثر نزوعاً ومناهضة لكل طرح أممي إستراتيجي، ألا وهو الصحفي السعودي داوود الشريان، وكما يقول مثلنا السوداني «عايرة وأدوها سوط»! وبدا أن هناك إرادة أقوى وأجبر من إرادتنا الوطنية، فلم يكتف القوم بإعادة «الرشد الليبرالي» الذي جاء هذه المرة أكثر قوة وشراسة فحسب، بل ولقد فتح «ملف الوهابية» على رؤوس الأشهاد، وحتى أمس الأول حيث بثت هذه الحلقة، كانت مفردة الوهابية من الحساسية بمكان بحيث لا يستطيع أحد أن يجاهر بها، فواحدة من «كرامات» هذه القنوات هي أن جعلت كل أشيائنا وأفكارنا معروضة «للنقاش والمراجعة والتصويب» والمساومة. كما بدا أيضاً أن كل أمورنا «تُفصل» خارج المنطقة، والمسألة تبدأ من لون «ربطة العنق» مروراً «بربطة الرأس» إلى حزم أفكارنا الكبيرة منها والصغيرة، أنواع أسلحتنا وعدد جنودنا «وجنوننا» ونزوعنا ومناهج مدارسنا، ألوان حقائب أطفالنا، شكل فضائياتنا، تسريحة مذيعاتنا، نحورهن العارية وثغورهن الجائعة، برامج الأطفال ومنتديات الكبار، طريقة الحديث... الخ. ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم، ولكن لا بد لهذا الليل الطويل من صبح، ومن «صلاح الدين». والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.