نوعية رسائل التوعية الدينية التي يحاول البعض بثها لترهيب الناس أكثر من ترغيبهم في الدين والدنيا، كما خلقهما الله سبحانه وتعالى، أحاول بقدر المستطاع الابتعاد عنها لأنها في غالبها ترجِّح كفة الانغلاق في الدين بل وتكفير كل من هو ضد ك (ليس معك)، ونسيان أمر الدنيا، وهذا ما لا أؤمن به ولا أعتقد أنه هو أصل رسالة الإسلام، دين التسامح وكتاب الدنيا وإدارة الحياة. لكن لمّا وردتني عبر البريد رسالة من الأخ (أسامة ابراهيم) تتضمن مقال للعلاّمة الشيخ (عائض القرني) كتبها بصحيفة الشرق الأوسط، وقد كنت قبلها سهرت لأتابع فيلماً روائياً للكاتب الكبير (أو. وليامز) بعنوان (كتاب ايلاي) يقدم ذات الفكرة، لكن من وجهة نظر عقيدة أخرى هي الدين المسيحي وتعاليم سيدنا (عيسى المسيح - عليه السلام) وكيف أن ابتعاد الناس عن تعاليم الله الحقيقية فيه هلاك البشرية ونفاذ مواردها التي تكفل لها الحياة. لهذا قررت أن نتشارك معا فائدة المقال ونحاول أن نتشارك تنفيذ الأقوال فيه لتصبح أفعالاً يومية علّنا بها نتطور درجة في سلم الرقي الإنساني المتحضر، ولا نكون مجرد قطيع من الماعز يرعى بمرضه في عشب أصفر! { نص المقال: (أكتب هذه المقالة من باريس في رحلة علاج الركبتين، وأخشى أن أتهم بميلي إلى الغرب وأنا أكتبُ عنهم شهادة حق وإنصاف، والله إن غبار حذاء محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) أحبُ إليّ من أميركا وأوروبا مجتمِعَتين، ولكن الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني، يقول تعالى: « لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ». وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر إلى تعاملهم، فأجد رقة الحضارة، وتهذيب الطباع، ولطف المشاعر، وحفاوة اللقاء، وحسن التأدب مع الآخر.. أصوات هادئة، حياة منظمة، التزام بالمواعيد، وترتيب في شؤون الحياة. أما نحن العرب، فقد سبقني ابن خلدون لوصفنا بالتوحش والغلظة، وأنا أفخر بأني عربي؛ لأن القرآن عربي والنبي عربي، ولولا أن الوحي هذّب أتباعه لبقينا في مراتع هُبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى. ولكننا لم نزل نحن العرب من الجفاء والقسوة بقدر ابتعادنا عن الشرع المطهر. نحن مجتمع غلظة وفظاظة إلا من رحم الله، فبعض المشايخ وطلبة العلم وأنا منهم جفاة في الخُلُق، وتصحّر في النفوس، حتى إن بعض العلماء إذا سألته اكفهرَّ وعبس وبسر. الجندي يمارس عمله بقسوة ويختال ببدلته على الناس.. ومن الأزواج زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور على زوجته وخارج البيت نعامة فتخاء! ومن الزوجات زوجة عقرب تلدغ وحيّة تسعى، ومن المسؤولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود بن كنعان كِبراً وخيلاء حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الجميل له، وإذا جلس معهم عدَّ ذلك تفضلاً وتكرماً منه.. الشرطي صاحب عبارات مؤذية، والأستاذ جافٍ مع طلابه.. فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن الخُلُق وبحاجة لمؤسسة لتخريج مسؤولين يحملون الرقة والرحمة والتواضع، وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللياقة مع الناس، وبحاجة لكلية لتعليم الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية. المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا. في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة من حزن وكِبر وطفشٍ وزهق ونزق وقلق، ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة، لذلك تجد في غالب سياراتنا عصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع الآخرين، وهذا الحكم وافقني عليه من رافقني من الدعاة، وكلما قلت: ما السبب؟ قالوا: (الحضارة ترقق الطباع).. نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق - ونحن في سيارتنا - فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك الطريق، وأنت جالس في سيارتك! نمشي في الشارع والأمطار تهطل علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا.. نزدحم عند دخول الفندق أو المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف..! أجد كثيراً من الأحاديث النبوية تُطبَّق هنا.. احترام متبادل، عبارات راقية، أساليب حضارية في التعامل.. بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا. أين منهج القرآن: «وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».. «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا».. «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ».. «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» . وفي الحديث: «الراحمون يرحمهم الرحمن» و«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» و« لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا». عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف وكما يقول عالم هندي: (المرعى أخضر ولكن العنز مريضة)!