أقل من شهرين يفصلاننا عن الحدث الكبير، والتاريخ المصيري، والإجابة على السؤال الكبير: هل سيبقى السودان موحداً أم سينقسم؟ من يملك الإجابة على هذا السؤال قطعاً ليسوا السياسيين، ولا شركاء الحكم، ولا النخب والصفوة هنا وهناك؛ فالإجابة عند المواطن الجنوبي البسيط، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تقرير مصيره. القوى السياسية والأحزاب بمجملها تتعاظم مسؤولياتها خلال هذه الفترة الدقيقة والحساسة من عمر البلاد، في امتصاص الشحنات السلبية. بالمقابل ثمة دول وجماعات ضغط ولوبيات وأهداف استعمارية حديثة تسعى جاهدة لخطف القرار السوداني، ووجود محصنات من كل ذلك أمر لن يتأتى إلا بالوعي الجماهيري والحزبي، وتعميق مفهوم الثقافة الوطنية، وتعضيد المكتسبات. مساحة من النقاش حول هذا الموضوع الذي يشغل بال الساحة السياسية، ومواضيع أخرى تهم المسار السياسي؛ شكلت مداخل الحوار الذي أجريناه مع القيادي السياسي الأستاذ بكري عديل، كبير رجالات حزب الأمة. وتطرق الحوار أيضاً إلى جملة من الموضوعات التي تخص الأداء الديمقراطي داخل أجهزة الحزب، والموقف من القضايا الساخنة التي تهم البلاد، فإلى إفاداته: كيف تنظر لموقف الدول العظمى من قضية السودان؟ - الدول العظمى، سواء أمريكا أم مجموعة الدول الأوروبية، ليست مع الوحدة أو الانفصال في السودان، بقدر ما هي مع مصالحها أينما كانت، فالحديث عن أن أمريكا تناصر الديمقراطيات والأقليات في العالم هو حديث لا مكان له من الحقيقة أو الواقع أو الصحة، فلو كانت حقاً أمريكا تناصر الديمقراطية؛ فلماذا لم تقف مع الديمقراطية الثالثة؟ بل كانت من أعدائها وأسهمت في انهيارها، فالأمريكيون لم نشهد لهم أي وقوف لا مع الديمقراطية الثانية ولا الثالثة إلا في ملمح واحد هو البحث عن مصلحتهم. هل كان الأمريكيون سعداء بقيادة حزب الأمة للديمقراطية الثالثة مع الشريك الآخر الاتحادي الديمقراطي؟ - لم يكونوا سعداء بذلك، بل ولا تجمعهم أية علاقة بنا كحزب، بل كل ما عرفناه عن الأمريكيين في أيام الديمقراطية الثالثة وحتى الآن هو مجرد حديث معسول في المؤتمرات الدولية والإقليمية يتناقض مع المواقف. فالأمريكيون لم يكونوا سعداء بوجود حزب الأمة على رأس الديمقراطية الثالثة، ولم يمكِّنوا النظام الديمقراطي في كل دول أفريقيا من أن ينمو أو يتحقق له الاستمرار أو أن يكون له دور وسط شعوبها ومجتمعاتها. فأمريكا تتحدث كما قلت وتبحث عن مصالحها، وشعار الديمقراطية عندها ما هو إلا مظلة، القصد منها خدمة المصالح الأمريكية وليس خدمة الديمقراطيات والشعوب. إذن، الأمريكيون لا تهمهم مصالح الشعوب، ولا تنمية الديمقراطية في الدول، وبالتالي هم لا يهمهم أيضاً لا سلفاكير ولا البشير ولا علي عثمان، بقدر ما تهمهم مصالحهم فقط، هل هذا ما تعنيه؟ - بالطبع هم لا يهمهم سلفاكير ولا البشير ولا علي عثمان بقدر ما تحركهم المصالح فقط، وبالتالي فأي مشروع سياسي موجه إلى السودان وغيره تحت أي مسمى يُرعى من أمريكا فهو لا يخلو أولاً وأخيراً من كون المراد به المصلحة الأمريكية، حتى ولو كان هذا المشروع ذا غايات ديمقراطية في ظاهره، وبالتالي يجب ألا ننخدع في الشمال والجنوب بالحديث الأمريكي المعسول. منذ الاستقلال وحتى الآن، كيف تنظر للواقع السياسي؟ - أنا شخصياً من المتفائلين، ذلك أنه بقليل من المجهود في عملية جمع الكلمة وتوحيد الصف يستطيع السودان أن يتخطى هذه الفترة الحرجة من عمر الزمان. كلما تدخل السياسة في السودان في نفق مظلم؛ دائماً ما يتطلع الناس إلى أن تبرز الكاريزمات السياسية مثل الصادق المهدي والترابي والميرغني، لتظهر لنا حكمة العقد الثامن من العمر، فهل هذا ما ترجوه أنت أيضاً؟ - حقيقة هذه القيادات لها من التجارب الشخصية التي يتطلع إليها الناس في أن تلعب دوراً مهماً في المسرح السياسي، ولكن نسبة للتدخلات الخارجية والداخلية، أو لنفوذ بعض الكيانات السياسية؛ ربما لم يبرز هذا الدور الكبير المرجو منهم حتى الآن، ولكن في رأيي أنه سيأتي اليوم الذي يجدون أنفسهم فيه مضطرين ومجبرين على أن يلعبوا دوراً أساسياً في تهدئة الخواطر ولم الشمل وتوحيد الكلمة، خاصة وأن وحدة السودان ينبغى أن تكون هي الكلمة الجامعة لتوحيد الهدف وإحداث الإجماع الوطني وجمع الكلمة. كيف لأناس لم يستطيعوا حتى الآن توحيد كياناتهم الحزبية أن يوحدوا المجتمع بكامله؟ سؤال مازال مطروحاً في الساحة السياسية على كل الأحزاب، وبالذات الكبرى منها، ماذا تقول هنا؟ - بالتأكيد إن توحيد الكلمة داخل الأحزاب نفسها عملية تحتاج أيضاً إلى كثير من الجهد، وربما القيادات الحزبية تعجز الآن عن توحيد أحزابها، ولكن بالضغوط من القواعد والمثقفين يمكن لكل حزب أن يوحد نفسه، وهذه بالضرورة قضية عاجلة ومطلوبة، فإذن الدعوة لتصحيح الأخطاء مطلوبة وعاجلة في سبيل توحيد الكلمة. الناظر لحزب الأمة والحزب الاتحادي يراهما منشطريْن إلى أكثر من حزب، بل ولا يوجد مسعى واحد ولا بصيص أمل في لم كل حزب لشمله وتجميع فصائله!! - ربما العائق هنا أمام هذه الغاية وهذا الهدف أن هناك جهات أخرى تنفخ في النار لأجل أن تشتعل زيادة، ولكن سيأتي اليوم الذي تقتنع فيه القيادة الحزبية في كل حزب بلا استثناء بأن هذا غير مفيد بل المفيد هو إحداث الإصلاحات الحزبية والسعي للم الشمل. أين نجد الأستاذ بكري عديل الآن سياسياً؟ هل غادر صفوف حزب الأمة، أم آثر الصمت قليلاً وابتعد بنفسه حزبياً، أم هو في خانة المجمدين لنشاطهم؟ فماذا هناك؟ - نحن ضحينا في مسيرتنا السياسية الوطنية بأشياء غالية جداً، والكثير من شبابنا قدَّم عظيم التضحيات في سبيل توحيد الكلمة وخلق كيان سياسي يعبِّر عن مصالح الأمة وتطلعاتها، وربما تكون هناك ظروف قللت من النشاط والحركة والفاعلية، ولكن هذا لا يعني أننا قد تركنا العمل السياسي وتخلينا عنه، وأنا لم أبتعد عن الحراك السياسي ولم أغادر حزب الأمة، بل ما زلت عضواً فيه، وأملك كامل الفرصة في التعبير والتحدث من منطلق أنني منتمٍ لحزب الأمة، ولكن لظروف خاصة، شخصية، وبعض القضايا التي تهمني أيضاً؛ يرى البعض أن نشاطي قد قلَّ، ولكن لا يعني هذا أن النشاط قد تلاشى تماماً، فسيأتي اليوم الذي سنخرج فيه للمعارك السياسية بكل قوتنا، لأن هذا هو الواجب الوطني. ماذا جرى حتى الآن في قضية توحيد حزب الأمة جناح مبارك الفاضل والحزب الأم الذي يرأسه السيد الصادق المهدي؟ هل توقفت المساعي، أم أن الاتجاه في طريقه للتنفيذ؟ - الخطوة لا تزال تسير في طريقها المنشود، والمساعي تمضي هنا على قدم وساق لتحقيق هذه الغاية، ولكن ليس بالضرورة أن يطلق كل طرف بياناً للناس في ذلك، وقد تكون هناك مسائل تحتاج إلى بعض الوقت لمعالجتها، لا سيما في ما يتعلق ببعض الخلافات العالقة، ولكن مع كل ذلك فإن الوحدة بين حزبي مبارك الفاضل والصادق المهدي ستتحقق قريباً إن شاء الله. في وقت مضى كان لك رأي واضح في الأداء الديمقراطي داخل حزب الأمة، ذلك بأنك انتقدت ذاك الأداء الديمقراطي، بل وأشرت إلى أنه مفقود بعض الشيء، فهل ما يزال هذا الرأي قائماً؟ - ما زالت هناك عقبات تواجه الأداء الديمقراطي داخل أجهزة حزب الأمة، ولكن في مقدور حزب الأمة تخطي هذه العقبات. بوصفك أحد أبناء كردفان، الآن قضية أبيي دخلت في مفترق طرق، والاستفتاء على الأبواب، ووفقاً لاتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) فمن المقرر إجراء استفتاءين متوازيين، حول الجنوب (انفصال أو وحدة)، والآخر يحدد انضمام أبيي للشمال، أو الجنوب في إطار ترسيم الحدود، فكيف ترى المشهد والمآل هنا؟ - بالتأكيد أبيي هي أخطر مشكلة في طريق السلام والاستفتاء، وهي إن لم يحدث تفاهم فيها؛ ستكون أعمق من قضية كشمير، والتعامل مع مشكلة أبيي سيكون صعباً؛ لأن الطرفين مختلفان حولها. أين ذهب التحكيم الدولي السابق؟ - التحكيم الدولي في رأيي لم يصل إلى حل يرضي الطرفين المتصارعين في أبيي، فقضية أبيي تحتاج إلى عبقرية حلول تقنع جميع الأطراف.