على هوامش الأفراح الصغيرة لا زال طلاب جامعة الجزيرة يحافظون على قدر كبير من قيم التسامح والتواصل التى لا تعرف حدوداً لخارطة اللون والعرق والمكان، وفي زاوية ما من هذه الجامعة العريقة تجلس امرأة في العقد الرابع من عمرها تسمى (سلينا) من جنوب السودان، الطلاب ينادونها ب (ماما سلينا)، وهي تعول عائلة صغيرة مكونة من ولد صغير وبنتين إحداهما تدرس في ذات الجامعة، وتمد عشمها إلى يوم التخرج، غير أن الطلاب الذين يسلمون عليها كل صباح من تحت بخار (كفتيرة الشاي) يحرصون على دعوتها في الأول قبل الأساتذة وعميد الكلية لحضور أي برنامج يخصهم، ولو كان حفل عيد ميلاد، ثم لا تتوانى في تلبية الدعوة والمشاركة ولو ب (زغرودة) صادقة، بالرغم من أن الأسئلة في الأيام الأخيرة أصبحت تحاصرها بشكل متكرر (حاتمشي وين بعد الإستفتاء) ؟ فترد عليهم : (يا أولادي أنا قاعدة في بلد حقنا دا). منذ (15) عاماً (وماما سلينا) تعمل في جامعة الجزيرة لدرجة أنها تحولت إلى رمز كبير يمثل حضورها في كل المحافل لون أساسي يصعب إزالته من الخاطر، والمدهش في الأمر أن (سلينا) التى تقاوم رغبة العودة للجذور بضحكتها الملونة وجسدها الأبنوسي وقلبها الكبير الذي يحتمل كل الناس، أدركت أن الدموع لونها واحد، وأن الوطن هو الوطن، وإن كانت ثمة رغبة خاصة تدفعها لزيارة الجنوب حتى لا يقتلها الحنين، ولكنها رغبة تختفي في أحايين كثيرة عندما يجلس معها أولادها الطلاب الذين تعرفهم بالاسم وتحرص في كثير من الأحيان على مواساتهم و(حل مشاكلهم) وتوفير ثمن وجبة الإفطار لهم مما تدخره من عملها، ولذلك أصبحت هى (الأم) الودودة التى تفجر المكان بالضحك كلما أطل شبح الملل والسياسة. (الأهرام اليوم) رصدت فرحة (ماما سلينا) وهى تودع دفعة جديدة من خريجي جامعة الجزيرة وترقص معهم لدرجة الطرب بذات الأزياء الجنوبية، وتبث في قلوبهم الأمل والطموح. غير أن الظاهرة اللافتة أكثر في جامعة الجزيرة هي (تقليعات) الطلاب أنفسهم الذين أصبحوا يحرصون كل عام على إعداد جلسات للحناء تقوم بها زميلاتهم أيام التخرج، يغسلون أقدامهم بالماء ويجلسون في دوائر مفتوحة كأنهم عرسان، وكل يختار الفتاة التي تضع له (الحنة) وهو يرتدى (الجلابية والشال) (ويبشر) بحرارة في استدعاء خاصة لطقوس الزواج، ومن ثم ينطلق (بارتي) التخرج، وبعد إكمال الحنة تذهب الفتيات (لصوالين الكوافير) لإعداد أنفسهن لحفل التخرج فيبدين في أجمل تسريحة وجمال.. وهي ظاهرة جديدة فشلت كل محاولات حربها، ولكن هل يختلف فرح التخرج عن فرح الزواج؟ أم هي مقاربة فصيحة لبعث الأماني حبيسة الدواخل والأشواق.