{ الناس قلقون ولا شيء فى الأفق يبعث على الاطمئنان، والوقت يداهم والطرف الآخر تنقصه الحكمة والمعرفة، والمجتمع الدولي قاس ومتعجرف وظالم، والشعب هناك في الجنوب يركن لقاهر ليس في قلبه رحمة، تدوس عليه (أباويت) هي أجهل جيوش الأرض بشهادة الغربيين القساة أنفسهم والشعب في الشمال ينتظر مصيراً بعد أن جردت منه كل أدواته فقفل آيباً إلى مربع المفعول به بعد أن كان الفاعل عدلاً ورحمة وشفقة على إخوته، فآواهم وسقاهم وتقاسم معهم حتى الأحياء العريقة في الخرطوم ودنقلا وبورتسودان وكسلا، ونهضت أحياؤهم وكنائسهم ومساجدهم وحتى حاناتهم دون أن يؤذيهم أحد، وتبادلت الكثير من الأسر دورها في تعليم أبنائهم وأطفالهم دون من ولا أذى. { دعوات الانفصال التي تنطلق من داخل حناجر بعض قادة الحركة لم تكن هي أصوات جنوبيةأصيلة، فالشعب هناك يمضي داخل نفق لا يبصر حتى أصابعه وهي تلامس عيونه (لم يكد يراها) والكثير من القيادات مخدوعة بحسابات يحسبها اليهود وهم يرسمون آمالاً وأحلاماً أكبر من مواعين الجنوب واحتياطاته حتى من المستنقعات والنفط وغابات الأبنوس، فئة من قيادات الحركة هي التي تلقفت الآمال والأحلام اليهودية ومن ثم تنطلق في تنويرات منغلقة الدوائر حتى جندت مجموعات من رفاق كفاحها وعجزت عن تجنيد عقلاء ما زالوا يتسلحون بالحقيقة التي بسطها الراحل جون قرنق أمام اجتماعه الأخير بالعاصمة كمبالا بحضور العميل موسفيني وسفراء غربيين ونفر من المنظمة اليهودية العالمية وهو يرفض خيار الانفصال ويتمسك بنظرية السودان الجديد الواحد الموحد، يتمسك بمشروعه، رافضاً مشروع المنظمة اليهودية العالمية الذي هو في الحقيقة أحد مشروعات الدولة اليهودية كما جاء على لسان الجنرال عاموس يادين الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وهو يسلم مهامه لخلفه أمام مجموعة من المراسلين الحربيين وهو يذكر جنوب السودان والإنجاز الكبير الذي أنجزوه في سبيل قيام مشروعات الدولة اليهودية، ولذلك هم يشرفون على تنظيم الحركة الشعبية في جنوب السودان . { أول رئيس للولايات المتحدةالأمريكية (واشنطون) في أولى خطبه وهو يحتفل بقيام أمريكا يحذر الأمريكيين من اليهود، وقد قال بالحرف الواحد إنهم سيدمرون أمريكا. وأقولها أنا كمراقب إن اليهود سيدمرون الجنوب وهم يخططون لذلك، يخططون لدولة من منابع النيل إلى الفرات وكلنا نسمع (طراطيش كلام) أن الجنوب كان أحد الخيارات لقيام إسرائيل، ولكن الحقيقة هي أن الجنوب وفلسطين والعراق كلها تدخل في الحيز الجغرافي للدولة اليهودية، ولكن تختلف البدايات والنهايات، هل يبدأون بفلسطين أم بالجنوب أم بالعراق؟ ومضت المؤامرة بفلسطين ثم العراق وها هي تتجه في خطوة تاريخية نحو جنوب السودان، وما زالت للمؤامرة فصول، ستصطرع قبائل الجنوب فيما بينها وستقاتل الأمراض والعقاقير إلى جانب المؤامرة اليهودية حتى لا يبقى في الجنوب إلا قلة من أهله تستوعبهم مزارع البيض الجدد وهم يومها يهود جنوب السودان أو دولة (كوش) التي تتحدث عنها التوراة كما يزعمون . { المؤامرة أكبر من انفصال وطن لدولتين ما دامت المحصلة النهائية زوال الدولتين وانقراض ساكنيها، وحتى الوحدة نفسها لن تحصن من مشروعات الدولة اليهودية إذا توحدنا بنفس شاكلة الأمس وتجربة السنوات الخمس العجاف، الشمال قد يكون قادراً على مجابهة الأطماع اليهودية إذا انبرت الفئة الحاكمة لتصنع من الشمال أمة موحدة وناهضة مهما تكالب عليها العدى، أو آبت الفئة الناشزة في الحركة الشعبية إلى رشدها وغلّبت خيار التعاون ومصلحة شعبي الشمال والجنوب على خيار المواجهة والعدائيات، فإن مشروعات الدولة اليهودية لن تجد موطئ قدم في هذه المنطقة، ولكن مثل هذه المواقف الكبيرة تحتاج لقيادات كبيرة وزعامات حقيقية لا تقدم على مصلحة شعبها أية مصلحة أخرى. { أحيانا تنتابني ثقة كبيرة في قيادات الدولة بالرغم من الصورة القاتمة التي رسمتها في بداية هذه الزاوية، وأتوقع ثمة عمل ما منهم يحفظ للبلاد وحدتها، وكما قال الرائع محمد موسى الفنان الكوميدي إن قيادات الحكومة السودانية مثل لعيبة البرازيل الكبار الذين يدخلون في آخر خمس دقائق وينتصرون بخمسة أهداف، ولذلك لديه إحساس بأن الجماعة ديل حيعملوا حاجة بالرغم من أن كل المؤشرات تمضي في اتجاه الانفصال . { من الأشياء الطيبة أن الحكومة تستشعر المهددات حتى وإن صعدت لدرجة الوهم، وإن ذلك أفيد وأصلح من أن ننتظر مجهولاً، وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (المؤمن كيس فطن).