رويداً رويداً، ومع اقتراب موعد المصير؛ بدأت تصريحات قادة (الوطني) تتضارب، ومن منصة التصريحات لا تفتأ إنتلجينسيا الحزب الحاكم تعصف آذان المراقبين بخطابين متناقضين تماماً، يراوح محتواهما فرضيتيْ التسليم بحتمية الانفصال وعدمه. الخطاب الأخير يستند مناصروه على فرضية أن الانفصال سيظل ندبة سوداء في تاريخ الإسلاميين، بينما يتكئ المروجون للتسليم بحتمية قيام الدولة الجنوبية على حسابات الواقعية! وزير الإرشاد والأوقاف، أمين دائرة دارفور بالمؤتمر الوطني؛ الدكتور أزهري التجاني، أكّد أن حزبه ممسك بزمام الأمور في قضية استفتاء الجنوب، مشيراً إلى أن قيادة حزبه لديها القدرة على التحكُّم في مسار العملية، وأضاف خلال مخاطبته ندوة سياسية بحاضرة جنوب دارفور الخميس الماضي: «ما ترونه من مرونة اقتضتها طبيعة الشراكة بيننا والحركة الشعبية»، قبل أن يصف ذات الشراكة ب (المائلة)، إذ يمثلها شريك يتحمل المسؤولية كاملة، وآخر ليست لديه مسؤولية أو تقدير لقضايا الوطن ومعرفة بطبيعة المجموعات السكانية، على حد وصفه، كون حزبه يواجه شريكاً لا يعرف المزاج السوداني، ومغترباً عن الشخصية السودانية، مشيراً إلى أن (الحركة) الشعبية بها مئات التيارات، لدرجة أن حزبه لا يجد شخصاً للتحدث معه!! د. التجاني في ذات المخاطبة، خواتيم الأسبوع الماضي بمدينة نيالا؛ استرسل مفنِّداً تيارات الحركة التي أشار إليها، معتبراً أن من بينها تياراً يريد الحصول على دولة منفصلة لا تشكل بالنسبة له سوى آلية لمحاربة الشمال، وأكد أن الوحدة عند (الوطني) أمدها طويل، وأن انفصال الجنوب لا يمثل سوى محطة في منتصف الطريق، مشيراً إلى أن حزبه يدير العملية من خلال لجان متخصصة، وعينه ترنو صوب ما بعد التاسع من يناير، بينما الحركة بحسب التجاني قصيرة النظر؛ كونها لا تفكر سوى بانفصال يناير!! أمين دائرة دارفور بالمؤتمر الوطني، وجَّه خلال الندوة، المؤتمر الوطني بالولاية بإعلان تعبئة تنظيمية واسعة لتسجيل أكبر عدد من الجنوبيين، لأنه لا يواجه معوّقات مثل التي تمارسها الحركة الشعبية في الخرطوم، على حد قوله، مبيناً أن إستراتيجية الحركة ترمي لتسجيل أقل عدد من الناخبين الجنوبيين لتحصل على نسبة (60%) من المصوتين، ولتحصل على الانفصال، وفي المقابل يسعى المؤتمر الوطني لرفع نسبة التسجيل. أزهري اعتبر أن جنوب دارفور واحدة من المناطق التي يمكن أن تزن المعادلة وتدعم إستراتيجية الحزب في قضية التسجيل. أما مستشار رئيس الجمهورية رئيس حزب الأمة الوطني عبد الله علي مسار؛ فقد أعلن عن مخطط لاستهداف الشمال من الجنوب وضعته الحركات الدارفورية بمساعدة منظمات خارجية ودول أجنبية، وقال إن الخطة التي سميت ب (الاقتحام العظيم) ستنفذ عبر (6) محاور بالمناطق المتاخمة لجنوب السودان، تقضي على جنوب دارفور، ومن ثم تنتقل إلى كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق ومنطقة الكنابي بولاية الجزيرة وكوستي والقضارف؛ لإسقاط الحكومة في الخرطوم في مدة عام، وأضاف أن الخطة التي سيبدأ تنفيذها في مارس المقبل؛ وضعت لها إمكانيات ضخمة، وأعدت إعداداً محكماً من قبل عناصر خارجية، وقطع مسار بأن القتال قادم سواء أنفصل الجنوب أم لم ينفصل، مشيراً إلى أن هناك ستة معسكرات سينطلق منها القتال في جنوب دارفور في يوم واحد: (دفاق)، (تمساحة)، (بلبلة)، (سماحة)، (برام)، و(راجا)، ونوّه إلى أن المخطط سيجعل مواطني المناطق الواقعة بين (أبوجابرة) و(أم دافوق) بجنوب دارفور لاجئين ونازحين في غضون الأشهر الستة القادمة!! وبحسب مسار فإن جميع قادة حركات دارفور موجودون الآن بجوبا (عبد الواحد نور، مني مناوي، أبو القاسم إمام، موسى جادين، أحمد عبد الشافع، وأحمد آدم بخيت)، وهؤلاء جميعاً لم يذهبوا إلى الجنوب من أجل النزهة، على حد تعبيره، وإنما لتنسيق يستهدف الشمال، وزاد: «لمتين ندخل رؤوسنا في الرمال وننتظر، لنبقى مثل ديك المسلمية، يحمّروا في بصلتو وهو يكاكي!!»، قبل أن يطالب المؤتمر الوطني بألا يتعامل مع هذا المسعى بحسن النية، ناصحاً إياه بأن يتخذ أسلوب تقدير الموقف. مسار في حديثه قال إن الوضع الطبيعي للعلاقة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني كان يجب أن تكون ممتازة، لجهة أن الجنوب لم ينل اتفاقاًً للسلام إلا في عهديْ نميري والإنقاذ، لذلك كان من باب أولى أن يكون هذا محل تقدير وليس صراعاً، وعزا المشاحنات لكون المشروعين مختلفين تماماً، علماني في الجنوب وإسلامي في الشمال، لذا تتحرك الحركة وأنصار الانفصال نحو ما أسماه ب (عكننة) المزاج السوداني. من جانبه اعتبر مستشار رئيس الجمهورية د. غازي صلاح الدين أن ما ذكره مسار يبقى في دائرة الاستنتاج، ودعا الحركة الشعبية إلى الكفّّ عن الممارسات التي تقوم بها لعرقلة عملية الاستفتاء، وزاد: «على الحركة الشعبية أن تعلم أنه ليس من مصلحة الجنوب أن تمضي في هذا الاتجاه». أما والي جنوب دارفور؛ د. عبد الحميد موسى كاشا، فقد أكد خلال حديثه أن القوات المسلحة دخلت في معارك ضارية صباح ذات اليوم (الخميس) مع قوات من الحركات المسلحة الدارفورية في المنطقة الحدودية من ولايته المتاخمة لولاية شمال بحر الغزال، وقال إنه أجرى اتصالاً هاتفياً بحاكم شمال بحر الغزال وحذره من مغبّة إيواء تلك القوّات في ولايته. تأكيدات الوالي عزّزت الارتباط الوثيق بين قضيتي الاستفتاء ودارفور، والفكاك بين القضيتين مسألة أصبح من الخسران الرهان عليه، بعد ما لاح من تحالفات انعقدت عليها العديد من الغايات، غاية نقل الحركات الدارفورية لتجربة (التحرر) الجنوبية، وغاية (عكننة) الأجواء الشمالية عبر تكتيكات (جوبا) مستغلةً فيها الحركات الدارفورية. وما بين الغايتين ترنو الخرطوم إلى القادم من الأيام بعينيْ الحذِر!!