أمس الأول، وفي خضم جلسات الورشة السنوية لكلية القانون بجامعة الخرطوم حظيت أطروحة (الاستفتاء ومستقبل السودان) بنقاش مطول وتباينت الآراء التى تناولت أوراقاً مختلفة جسدت قراءة عميقة لآفاق المستقبل بين شمال السودان وجنوبه، وقد حظيت ورقة الدكتور أبو القاسم محمد النور المعنونة: (النتائج المُتوقعة والحلول المقترحة لاستفتاء جنوب السودان من منظور اقتصادي)، حظيت باهتمام كبير من الحضور وجدل مصاحب أفرزته مداخلة الخبير الاقتصادي عضو المؤتمر الوطني عبد الرحيم حمدي. وفتحت الورقة النقاش في جملة محاور أخطرها مترتبات الانفصال الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى وكيفية تلافي المشكلات الناتجة عن ذلك الحدث الخطير. كما جاءت ورقة رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي مندفعة في ذات المجرى وحملت عنوان (الاستفتاء وأثره على موارد المياه)، وكان الصادق المهدي كعادته بعد أن تبلورت أفكاره في قوالب رقمية انفجر على إثرها النقاش. { حمدي وتوقيت اتخاذ القرار الدكتور عبد الرحيم حمدي رسم صورة مظلمة للأوضاع، ولكنه حاول إضاءتها ببعض الإشارات المهمة، وقد ركز في مداخلته على احتمال واحد وهو الانفصال، باعتبار أن الوحدة أصبحت قضية غير مطروقة، وقال إنه لا يتوقع نشوب كثير من المشاكل بين الجنوب والشمال، وأضاف أن الموارد لن تشكل مشكلة، لأن الموارد غير البترولية ضعيفة ونسبتها في الضرائب (2%)، وتساءل: هل تقسيم البترول جغرافي أم يتعدى ذلك بالمطالبة بالأصول؟ وحول المديونية الخارجية ذهب حمدي إلى أنها لن تكون مشكلة بيننا والجنوب وإنما ستكون مشكلة بين السودان والعالم الخارجي، وقال إن الديون لو تقاسمناها مع الجنوب بعدل فسوف يقوم العالم الخارجي بإعفاء ديون الجنوب باعتباره دولة وليدة وسيترك ديون الشمال على حالها والأسباب سياسية!! قبل أن يؤكد على أنها مشكلة مجمّدة. وحول الموارد النفطية اعتبر حمدي إن بترول الشمال بعد الانفصال (يا داب يمشِّي الحال)، (110) براميل في اليوم. وفي ما يخص الحلول للمشاكل المفترضة أشار حمدي إلى أنها تكمن في تخفيض الإنفاق والترتيبات الاحترازية وقد وضعت الميزانية لهذا العام دون وضع للمشكلات التى ستنتج وستظهر في ميزانية (2012). مطالباً بإصدار قرارات مهمة حيث أن توقيت اتخاذ القرار في الاقتصاد مهم شديد. وفي خضم التفاعل الذي حفلت به الورشة اشتكى محمد طاهر (أدروب) عبر مداخلته من أنهم في الشرق يعانون من العطش وبالرغم من ذلك استبعدهم حمدي من مثلثه وقال له أدروب لماذا استبعدتنا من مثلثك؟ ولكن الدكتور حمدي اكتفى بالصمت والابتسام دون تعليق. { الوصل بين أصحاب المعرفة وأصحاب القرار: الإمام الصادق المهدي في ورقته حول الاستفتاء وأثره في موارد المياه ابتدر حديثه برواية طرفة تجسِّد حال البلاد وقال إنه لاحظ كثيراً أن ثمة انفصال بين صُناع القرار وصُناع المعرفة، وأشار إلى أن أحد الأثرياء يملك سيارة (مارسيدس) وكان يقول لأحدهم: (إيه رأيك في سيارتي المرسيدي) فرد عليه الرجل: (اسمها مرسيدس)، فما كان من صاحب السيارة إلا أن قال له: (إنتو أعرفوا اسمها ونحن بنركبها). وعلق الإمام بأن أصحاب المعرفة يعلمون الاسم وأصاحب القرار (بيركبوا)! الصادق أكد على أن الاستفتاء ممكن أن يتم وفقاً للقانون وفي هذه الحالة هناك قوانين تحكم مياه النيل، محدداً آثار الاستفتاء المترتبة على موضوع الموارد المالية، واصفاً المناخ الذي يجري فيه الاستفتاء بأنه مناخ (مشاجرة) بين حزبين يتبارزان وهو مناخ غير سليم لإجراء عملية سياسية، وأشار إلى أن هناك أربعة أسباب سوف تجعل الاستفتاء أقرب للانفصال وهى مرتبطة باتفاقية السلام حصرها في أن الاتفاقية قسمت البلاد على أساس ديني، كما أن الثروة وهي البترول التي خصصت (50%) للجنوب عززت فكرة من يقول من الجنوبيين إنه يمكننا أن نستأثر بكل النسبة إذا انفصلنا، بالإضافة إلى الصراع بين أيديولوجيا المشروع الحضاري والسودان الجديد وفوق ذلك الموقف الدولي الذي يتعامل مع الطرفين على أساس انتقائي. وكشف الإمام عن أربعة أسباب تجعل الاستفتاء يعيد إنتاج ما حدث في الانتخابات الماضية وهى أن الحزب المسيطر في منطقته سوف يحرص على أن تكون النتيجة كما يريد، ثانياً المفوضية لن تجد من الزمن ما تستجيب به للشكاوى، بالإضافة إلى تهميش سودانيي المهجر بحيث لن تزيد مساهمتهم عن (5%)، كما أن الرقابة الدولية سوف تصدر حكمها بأن النتيجة هى أفضل ما يمكن توقعه في هذا المستوى غير الديمقراطي مما سيؤثر سلباً على البؤر المختلفة «أبيي وأخواتها»، وأشار إلى أن هناك حروباً بالوكالة، كما أن إدارة أوباما تبحث عن نصر يعوض الفشل الذي ظل يصاحبها خارجياً، وقال إن غالبية بيوت الخبرة تخشى حدوث الاستفتاء دون علاج أسباب الحرب، وأكد أن أي كلام عن أننا قررنا ألاّ نحارب هو مجرد أمنيات معلقة في الهواء. وبخصوص موارد المياه لخص الإمام الفكرة بأن الجنوب يتسبب في أكبر هدر للمياه الإقليمية، وأبدى استغرابه من أن برتوكول الثروة لم يذكر شيئاً عن مياه النيل وقد شدهم بريق الذهب الأسود وحتى وزارة الري لم تُستَشَر، مطالباً باقتسام المياه حتى إذا لم يحدث الانفصال، وقال إن الاستقطاب الحادث بخصوص اتفاقية المياه في دول الحوض إذا صادف انفصالاً عدائياً سوف تتأزم الأوضاع والتوترات بين الجنوب والشمال حيث سينحاز الجنوب للدول الأفريقة، وأضاف أن الإدارة السياسية والدبلوماسية في السودان ومصر ضعيفة للغاية، وأردف أن الجنوبيين سيختارون الانفصال لأنه سيكون فيه تصفية لمرارات تاريخية وإثبات للهوية الجنوبية، بالإضافة إلى أن العالم سيتعامل معهم معاملة تفضيلية، وجزم بأن القيادة الجنوبية قد اختارت الانفصال مدعومة برأى الكنيسة وما لم يتم التعامل مع القضايا بصورة قومية فإن الانفصال العدائي سوف يصب في استقطاب دول الحوض وهذا سيكون باعتباره جبل (مغنطيس) يشد إليه المتناقضات.