يهتم الشعب السوداني كغيره من شعوب الأرض بتناول الشاي، ويحرص على تناوله في أوقات الصباح وبعد الإفطار ومنتصف النهار، ولشاي المساء أو (شاي المغرب) وقعٌ خاص نسبة لما تحمله الجلسة من معانٍ جميلة، مع تجمُّع الأسر أو الجيران أو الأصدقاء، ويُقدّم الشاي في أوانٍ عديدة، أشهرها تاريخياً البراد الذي كانت له مكانة عظيمة في نفوس الأسر منذ أكثر من مائة عام، حيث تحرص المرأة السودانية على شراء (البراريد) بأنواعها وأشكالها المختلفة من (الصيني) و(الزنك)، ويكاد لايخلو منزل منها، خاصة (الصينيَّة) منها، على الرغم من اندثارها أو عدم تداولها كما في السابق. «الحبوبة» العارفة بالماضي السوداني الأصيل «حاجة أبوزلازل» قالت في حديثها ل «الأهرام اليوم»: إن وجود البراد كان مهماً في تقديم الشاي منذ أمد بعيد، وكانت (البراريد) تأتينا من الصين واليابان وإنجلترا، بجانب براريد (الزنك) المصنوعة من الحديد والمطلية بمادة الطلس، هي أساس التقديم، وأضافت: شاي البراد يُقدّم ساخناً ليعطي المذاق الحقيقي ونكهة الشاي الحلوة، ويكون صافياً، إضافة لشكل البراد الناصع الجميل، والشاي عندما يوضع على براد الصيني الأصلي القديم يُرى ما بداخله شفافاً ونقياً، وكانت (براريد) الصيني تتسيّد قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى انهيار مصانعها، وأضافت: قبل الحرب العالمية في زمن السيدين علي الميرغني والإمام عبدالرحمن المهدي كان التجار يرسلون صورهما إلى اليابان والصين لتطبع على (البراريد) بجانب (الجبنات) الصينية التي تُقدم فيها القهوة.. وكان الناس حينها حريصين على اقتنائها خصوصاً لدى المريدين والمحبين للأنصار والختمية، ولازال بعضهم محتفظاً حتى الآن بها. وعن (البراريد) القديمة التي كانت موجودة بجانب (الصينيّة) أوضحت أنها مصنوعة من (الزنك) ويفضلها الناس في الريف، وكانت تأتي من تركيا ومصر، والمصريون والسودانيون في الريف مازالوا يستخدمونها في تقديم الشاي، أما (براريد) الألمونيوم فقد ظهرت حديثاً ودخلت السودان سنة 1940 وقبلها كانت براريد (الإستيل) موجودة. وذكرت «حاجة أبوزلازل» أن سعر براد الصيني كان (3) قروش ونصف، وتحسّرت على اختفاء البراد الذي كان قديماً يأتي على صينية مفروشة بالفوطة المطرّزة كالمناديل، مع الكبابي الأنيقة المُبخّرة (بالمِسْتكة) وتكون مغطاة بفوطة مصنوعة من السُّكسُك والخرز. من جهتها اتّهمت الخالة سلوى بعض نساء اليوم بالخمول مما ساهم في اختفاء البراد بعد أن حلّ محله (السيرمس) الذي يحفظ الشاي لفترة أطول، ولكنه حتماً يُغيّر لونه وطعمه تماماً، وقالت إن (السيرمس) في التقديم ليست بأرقى من البراد كما يرى البعض، وأكدت أن بعض الأُسر الراقية والبسيطة لازالت متمسكة بتقديم الشاي في البراد وطقمه وتستخدم (السيرمس) فقط لشاي الصباح. وتحدث إلى الصحيفة في ذات الأمر «عبد الرحيم محمد» صاحب محل لبيع الأواني بسوق أم درمان العريق، فقال: البراريد اختفت الآن وكنا في السابق نشتريها ويصعب الاستغناء عنها، والآن صارت ديكوراً في البيوت، وأضاف: (السرامس) الآن أشكالها مختلفة وجديدة ومتطورة بإضافة بعض التلبيسات الخارجية من الزجاج والبلاستيك والكريستال وأخرى من (البايركس) وبداخلها مصفاة لحبيبات الشاي، وهذا النوع هو المرغوب حالياً في السوق.. و(البرَّاد) الصيني القديم لايوجد إقبال عليه بشكله المألوف سابقاً، وحلّ (السيرمس) كبديل أساسي، على الرغم من أن سعر (البراد) أرخص من (السيرمس) الذي صار يأتي ك (طقم) بمقاسات مختلفة للشاي والقهوة أيضاً، وله أسماء عديدة وحسب الموضة منها: (دلة، الطاؤوس، برج العرب، الهرم، السنبلة، وأبوفيل). كما تحدثنا إلى العم عبد الله يعقوب فقال إنه في الأربعينات كان براد الفنان كرومة مقدماً على براد السيدين علي الميرغني والإمام عبدالرحن إذ تهواه النساء لأنه فنان.