الشرقرق، الجبنة، القلاية، الطوة، القدرة وأشكال صناعة الخبيز أو «الكعك» جميعها ظلت تصنع على أيدي صُنّاع مهرة بسوق أم درمان القديم منذ الثورة المهدية وحتى يومنا هذا وأطلق عليهم أهل أم درمان (السمكرجية) ورغم أن ورشهم تقلصت بدخول الأواني المصنوعة في الصين ومصر وغيرها من دول العالم إلا أن العديد من الورش مازالت تعمل وتسوِّق إنتاجها في دول الجوار. (الأهرام اليوم) دخلت سوق السمكرجية بأم درمان وفيه التقت بالعم إبراهيم يوسف إبراهيم الذي قال إنه تعلم هذه المهنة من أستاذيه عوض بدوي ورجب ريحان في ستينات القرن الماضي وبالتحديد عام 1961م وظل هو يضرب على السندالة بشاكوشه منذ ذلك الوقت في هذا المكان دون انقطاع. وعن اضمحلال الصنعة بدخول المستورد قال إن هذا الحديث غير صحيح وأبان أنها تدخل في عمل المصانع والشركات وذلك عبر خرطه وتصنيعه لقطع الغيار حتى للطائرات، وأردف أنه يقوم بتصنيع أدوات الخبيز والجبنة والأباريق والطوة والحلة وجميع الأدوات المنزلية، وأكد أن المستورد أثر كثيراً في المشغولات المنزلية وقال «الاستيراد بِكتُل الصنايعية»، ورغم ذلك فإن ربات البيوت مازلن يفضلن الصناعة المحلية، كما أن سوقهم في أفريقيا الوسطى، تشاد، الجابون، يوغندا، إثيوبيا وإريتريا مازال مزدهراً وتصل بضاعتهم إلى هذه الدول ولها سمعتها التي لم تتأثر حتى الآن. العم إبراهيم يوسف قال إن أشهر البيوتات السودانية ظلت تتعامل معهم وتأتي نساؤها للتزود بأدوات الجبنة والخبيز والمطبخ وأشهرها آل البرير، آل أبو العلا، آل محمد خير، آل زروق، آل الفضلي وآل الأزهري وكل السودانيات الأصيلات، وأردف أن أسر (السيدين) علي الميرغني والإمام عبد الرحمن المهدي تأتي إليهم أيضاً لعمل الجبنات الكبيرة والأباريق، (وضحك وقال): «ديل خلفاء حاجاتهم كبيرة» وأبان أن الطرق الصوفية تأتيه ليصنع لها «كشاكيش» النوبة والرايات. ونفى العم إبراهيم أنه يتحصل على مال من أسر (السيدين) وقال بالحرف الواحد: «والله نحن ديل ما بنشتغل ليهم بي قروش لأنو عيب»، وأشار إلى عدم تسجيل منتجه كبراءة اختراع، ومضى إلى أنهم ب «يشتغلوا ساكت» وما في توثيق إلا في التلفزيون والراديو والصحف، ورفض فكرة الذهاب لمكتب حق المؤلف واستهجن قوانين الملكية الفكرية بقوله: «أي زول شاف حاجة في صنعة يتعلمها طوالي وده من حقو.. وما دايره ليها فكرية»، وأبان أن الغاية «أكل عيش وفتح بيت والسلام» وعن أحدث موضات «الجَبَنات» وغيرها قال إنهم الآن يصنعونها من «الاستيل» وعن مصدره قال إن ربات البيوت يأتين بصواني وكور الاستيل ليقوم هو بتصنيعها «جبنات وشرقرق وطوي». وعندما سألناه عن تقديم طلب للسلطات لتوفير الاستيل صفق يديه وقال: «أقول ليك حاجة.. خام بتاع صفيح في البلد دي مافي ولا زنك ولا غيره» وأكد أن صفيحة الجبنة والزيت يأتي خامها من ألمانيا وطالب السلطات باستخراج المعادن. العم إبراهيم قال إنه عانى كثيراً حتى تعلم هذه المهنة وأكد أنه يقدم خدماته للشرطة والجيش مجاناً لأنهم حُماة الوطن، وطالب والي الخرطوم بضبط الأخلاق داخل السوق.