في صبيحة الخميس الثالث من ديسمبر الماضي؛ وارينا صديقنا وحبيبنا الراحل العزيز، نجم الدين محمد نصر الدين؛ الثرى بمقابر (أربجي) العتيقة، التي غطتها هامات الرجال حتى سدت الأفق، لم أرَ قط حشداً مضى خلف جنازة بقدر أعداد من رأيت ذاك الصباح الحزين، تقاطر أهل الراحل العزيز وأصدقاؤه وزملاؤه ومحبوه من الخرطوم ومدني ومدن وقرى الجزيرة الأخرى، زرافات ووحداناً، إلى (أربجي) لدفنه في مرقده الأبدي، لتنطوي «صفحة الوجود»، ويمضى نجم الدين إلى «عالم الخلود»، وجرت جداول الدمع السخين، وبكى الرجال بكاءً لم أعرف مثيلاً له في حياتي قط.. ويا له من بكاء مرير. لقد كنت برفقة الراحل العزيز، نعكف خلال أيام عمره الأخيرة، على تحرير مجموعة من مقالاته وتصنيفها؛ لنصدرها في كتابين: الأول «مقاربات حول القانون وإعمال العدالة» ويحوي نصوصاً كتبها نجم الدين في سياق نقده المناهض للقوانين التي لا تتسق مع العدالة وتؤسس للظلم والعسف، إضافة إلى نقد بعض الإجراءات المتبعة في مختلف مراحل التقاضي، وهو كتاب عظيم يعلِّم القانون حتى للمثقفين كما ذكر الدكتور عبد الله علي إبراهيم في تقديمه للكتاب ومن أسفٍ فإن الراحل العزيز لم يرَ هذا الكتاب المهم، لأنه طبع بعيْد رحيله الفاجع. أما الكتاب الثاني فيحوي مجموعة مختارة من المقالات في الأدب والفن والمشاهدات ونقد السلوك الرعوي الذي يسم تعاملاتنا اليومية، وهو الآن قيد التحرير، تقف مجموعة من الأصدقاء على إعداده لطباعته ونشره، وهذه الأعمال من الصدقات الجاريات التي خلَّفها الراحل العزيز على كثرة ما خلَّف من صدقات جاريات، وهو الذي عاش عمره كله لفعل الخير وإقالة العثرات ونفرة المحتاج. عزائي الحارّ، بعد أربعين يوماً على رحيله الذي ترك فراغاً هائلاً لم ولن يسده أحد سواه، لنجليه الحبيبيْن «محمد» و»عزة»، وا لهفي عليك يا «عزة» لقد كانت حبيبة إلى قلبه الحنون، وإلى الوالد التقي الصابر محمد نصر الدين، وشقيقات الراحل وأشقائه، وأهله وأصدقائه وزملائه ومحبيه وعارفي فضله الكثر، لقد كان نهراً دافقاً من العطاء والمحبة والحنين والألفة، امتدت علاقاته وطالت العشرات من مختلف المهن والاهتمامات. اللّهم «وسِّد عبدك الفقير إليك نجم الدين محمد نصر الدين الباردة» وأنزل على قبره شآبيب الرحمة، وأسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء والصالحين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، و»إنا لله وإنا إليه راجعون».