«الناس هنا يعيشون ظروفاً مأساوية، جرَّاء انعدام المواد الغذائية وانهيار البنية التحتية، حيث لا توجد خدمات صحية في عدد من المواقع التي اختيرت مأوًى للعائدين من الشمال». بهذا عبَّرت فرونيكا رمضان عن استيائها من الأوضاع في الجنوب، الذي وصلت إليه مع أعداد كبيرة من الجنوبيين وفق برامج العودة الطوعية. وتضيف رمضان، التي تنتمي إلى ولاية غرب بحر الغزال وتبلغ من العمر (47) عاماً؛ أن أسعار الذرة مرتفعة بصورة كبيرة، إذ بلغ سعر الجوال (400) جنيه، مشيرة إلى أن مثل هذا الارتفاع يهدِّد حياة السكان، لا سيما أنهم بدأوا في الترتيب للنزوح، ولكن لا يدرون إلى أين يتجهون، في وقت تقول لهم الحركة الشعبية «إن العودة إلى الشمال تعتبر مخاطرة بحياتكم، فالشماليون لا يريدونكم هناك، لذا عليكم أن تواجهوا هذه المتاعب من أجل بناء وطنكم». وتمضي رمضان قائلة: «هذا الكلام لم يكن منطقياً، فهؤلاء منذ خمسة أعوام يسيطرون على مقاليد الحكم في الجنوب، وهم لا يفعلون شيئاً، فكيف نتأكد من صدق ما يقولون؟ هذا هراء، يجب علينا أن نخرج من صمتنا ونواجه الحقيقة، حقيقية أننا وحدويون وأن السودان يجب أن يكن موحداً، وعلى كل الأطراف أن تتوصل إلى صيغة للحكم في السودان». وأشارت فرونيكا إلى أن العديد من المواطنين في مدينة واو سيختارون الوحدة إذا تمَّ الاستفتاء في جو حر ونزيه وبعيد عن ضغوط الحركة الشعبية، إلا أنها عادت وقالت: «لا أعتقد أن الحركة تسمح باستفتاء حر وبعيد عن تأثيرها، وهي تعلم أن المواطنين هنا لا يريدون الانفصال، وهو ما لا تريده هي». وأبانت فرونيكا أن الحركة الشعبية تخطط لشيء فظيع حسب قولها، وأردفت: «ولكننا سنواجه كافة الاحتمالات، وسنظل ندعو إلى الوحدة». وهو ذات الاتجاه الذي ذهب إليه ستيفن موسى، وهو مواطن ينحدر أيضاً من ذات المنطقة التي تنتمي إليها فرونيكا، يقولو موسى البالغ من العمر (50) عاماً: «هم يقولون للناس العائدين من الشمال (يقصد الحركة الشعبية) إنكم تعلمون أسباب مجيئكم إلى الجنوب، نحن نريدكم أن تصوتوا للانفصال فقط، ألا تريدون بناء وطنكم؟ فإذا لم تصوتوا لذلك ستظلون تحت استعمار العرب، وهذا شيء سيئ». ويضيف موسى: «بهذا يتم استقبال الناس، ولكن سرعان ما ينقلب هذا الاستقبال إلى تهديد بالقتل إذا تجرأ أحد على أن يتحدث عن الوحدة». وأشار موسى إلى أن مكبرات الصوت تجوب المدينة وتعلن عن رسائل سلفاكير للمواطنين التي وجههم فيها بالتصويت لصالح الانفصال. وأكد موسى عزمهم على مواصلة العمل من أجل تحقيق الوحدة، وقال: «نحن نعمل الآن بصورة كبيرة، ووجدنا إقبالاً من المواطنين، وهم يشجعوننا من أجل مواصلة جهود الوحدة، لأن ما تقوم به (الحركة) كما قالوا لن يمثل إرادتهم الحقيقية، وأن صناديق التصويت ستحمل العديد من المفاجآت إذا لم تتدخل الحركة الشعبية وتركت الناس يختارون بإرادة حرة». إلا أن موسى لم يخفِ تخوفه من أن تكرِّر الحركة الشعبية تجربة الانتخابات في الاستفتاء، وأردف: «هم يدفعون المال للناس ويمارسون ضغطاً على السلاطين كي يقوموا بذات السيناريو السابق ويصوتوا إنابة عن المواطنين، وهذا ما نخشاه، لذا نطالب بإبعاد الحركة الشعبية عن صناديق التصويت». فيما وجّه مواطن آخر (فضَّل حجب اسمه) اتهامات للحركة الشعبية بأنها مارست أساليب الترهيب على المواطنين لإجبارهم على اختيار خيار الانفصال، والترويج له. وقال: «هم بدأوا الآن في تدشين برامجهم داخل مدينة واو من خلال ثلاث ندوات أقيمت خلال هذا الأسبوع، إلا أن إقبال الناس ضعيف لأنهم ما زالوا يتساءلون عن جدوى الانفصال، وآخرون يبحثون عن الوحدويين ويطالبونهم بإعلان العمل من أجل الوحدة، وهم على استعداد للوقوف خلفهم، وهذا ما يجب أن يعلن». وفي ذات الاتجاه، كشفت مصادر ل «الأهرام اليوم» عن دخول قيادات قبلية تضم النوير والفراتيت والاستوائيين بغرض تشكيل تحالف يقف أمام ما أطلقت عليه سيطرة الدينكا الحاكمة في الجنوب، وهي من أكبر قبائل جنوب السودان، وهو ما يعيد إلى ذاكرة الإقليم أحداث (كوكوره) أي أحداث التقسيم التي أدت إلى انهيار اتفاقية أديس أبابا التي وقعت عام 1972 بين حكومة الرئيس السابق الراحل جعفر نميري والجنرال جوزيف لاقو قائد حركة الأنانيا التي كانت تحارب الخرطوم آنذاك، عندما طالبت قبائل عدَّة في الجنوب بتقسيم الإقليم وفك الارتباط عن جوبا، وهو ما حدث وأدى إلى انهيار الاتفاقية وعجَّل بالحرب التي قادها جون قرنق عام 1983م.