· هل يدرك السودانيون حجم التحدي الذي ينتظر بلادهم، وكثافة التدابير التي تُحاك بليل لتمزيقها؟ وتجري عملية الانتقال من أزمة إلى أخرى أمام أعيننا جنوباً وشرقاً وغرباً، وحتى إن تخلصنا من الجنوب الحالي فإن جنوباً جديداً تجري صناعته، وهكذا. وفي كل مرة يقتطع جزء عزيز من بلادنا، بما في ذلك الشمال الأقصى الذي بدوره يتعرض لعملية إنتاج أزمة، أطلقوا عليها (كوش) وهي الآن على نار هادئة، تنفخ فيها أيدٍ تصافحنا صباح مساء. · مظاهر المؤامرة التي تُحاك ضد بلادنا ومعطياتها واضحة، وكافة أطرافها بما في ذلك الحكومة السودانية، والشعب السوداني، وأمريكا وإسرائيل، والحركة الشعبية التي تلعب في هذا المخطط دور الأداة الطيّعة، والقوى السياسية، ودول الجوار الصالح والجوار الرخيص، وأمتنا العربية بكل هزائمها، والقارة السمراء بكل تناقضاتها، أما المنظمات فإنها تتخلل هذه الصفوف التي تقف على مسافة واحدة من المعطيات التي تتسابق عليها كافة الأطراف، لتصل إلى غايتها. والغاية في هذا المقام غايتان، تنقسم على إثرها الأطراف إلى خندقين، أحدهما يعمل لوحدة البلاد والحفاظ عليها واستقرارها ونمائها حتى وإن انفصل الجنوب، وقد زهد فيه شعب الشمال. أما الخندق الثاني فتمتد غايته لتحدث انشطارات أخرى تقوم على إثرها عدة دويلات ضعيفة في أقصى جنوب الوطن العربي، مثلما سيحدث في تزامن كامل في الشمال الأقصى للوطن العربي، حين تقتطع مساحة أخرى منه بعد اقتطاع مساحة جنوب السودان، وقيام دولة كردستان العراق، ومن ثم قيام دولتين متناحرتين إحداهما للشيعة والثانية للسنة، وفي الجنوب الشرقي سيستمر النزيف في اليمن عبر الحوثيين والقاعدة، حتى يصل اليمن إلى حالة الضعف التام، ومن ثم العودة إلى وضع الدولتين؛ جنوبية وشمالية. وبعيداً عن هذا المسرح يجري إعداد القادة الجدد لليمن الجنوبي، وقد يكون من بينهم يهود يمنيون، أما قادة اليمن الشمالي فسيتم تدجينهم لخدمة المشروع اليهودي. · هذا هو المخطط اليهودي العالمي، وقد بدأ منذ عقود في قيام مشروعات الدولة اليهودية، كما جاء على لسان الجنرال عاموس، الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية، وهو يعدد إنجازات مؤسسته، وقد قالها بالحرف الواضح إنهم قطعوا شوطاً مقدراً في قيام مشروعات الدولة اليهودية في كل من السودان والعراق واليمن. · هل يدرك السودانيون كل ذلك؟ والمعطيات على الأرض التي يعمل من خلالها هؤلاء لتمزيق بلادنا ما زالت على مسافة واحدة منا ومنهم، وهي في حالة الأزمة في دارفور تتصل بالأرض التي نسيطر عليها، وبحمد الله كلها تحت سيطرتنا، وبعد ذلك نحسب حساب الأرض المجاورة، وفي هذه الحالة ربما نعاني من حدود جديدة سنمنحها للحركة الشعبية بعد قيام الدولة المرتقبة في جنوب السودان، وهي من الآن بدأت تستقبل الحركات المتمردة، وهناك الحركات نفسها التي تنقسم إلى جانحة للسلم وأخرى رافضة لأية تسوية، وهذه الأخيرة ربما هي الأقرب إلى الخندق الآخر الذي يصب في خانة مشروعات الدولة اليهودية، إن أرادوا ذلك أو أنهم لا يدركونه. وهكذا تمضي عملية حساب المعطيات غرباً وشرقاً وشمالا وجنوباً جديداً حتى تكتمل لدينا داخل بناء هرمي يحوي كل التفاصيل والمعطيات ومن ثم يضطلع السودانيون جميعاً بواجباتهم لمواجهة هذه التحديات الخطيرة، فلم يعد هناك وقت للتراخي وللضعف ولانتظار السراب، إما أن نكون أو لا نكون. · بهذه الطريقة التي تبدأ أولا بتسلحنا بالوعي حتى يدرك كافة السودانيون ما ينتظرهم من مخاطر وأن القادم، إن لم نعمل على تبصير شعبنا به، فإنه الأكثر إيلاماً والأفظع أثراً، فإن كنا قد زهدنا في الجنوب فهل سنزهد في دارفور أرض المحمل ونار القرآن والشرق الحبيب والشمال العزيز. إن كنا زهدنا في الجنوبيين لاختلافات كثيرة بيننا وبينهم فهل سنزهد في أهل دارفور وأهل الشرق والشمال الأقصي وكلنا يجمعنا دين واحد وثقافة واحدة وسحنات متقاربة تتفاوت كما تتفاوت داخل العائلة الواحدة وتجمعنا لغة واحدة وليس هناك اختلاف إلا ما أصاب النفوس وهذا يمكن تلافيه إن صدقت النوايا ونظرنا لما يجمعنا ويهدد بقاءنا. · على الحكومة تقع المسؤولية الأولى وهي في هذا الظرف تحديداً مسؤولية قيادة مبادرة شجاعة لتتعامل مع المعطيات الماثلة وتجمع الصف الوطني وتتنازل بما يحفظ للبلاد وحدتها ويفوّت على أعدائها فرصة اكتساب المعطيات الماثلة لتحقق أطماعها وفي ذات الوقت تبني قدراتها العسكرية وتجيِّش الشعب وتحزم وتحسم في تعاملها مع أعداء أمتنا السودانوية ولا تتنازل لهم قيد أنملة عن حق سوداني أصيل وأن تكون كلمتها وشعارها السلام والاستقرار ومن أبى فعليها بالمواجهة. فلم يعد هناك أمل غير القول الفاصل والفعل الحازم وكفى.