{ بعد سنوات قليلة من الاستقلال الذي تحقق بالكفاح السياسي منتصف خمسينات القرن العشرين؛ فإن فرحة الشعب به في ذكراه، التي تصادف أول يناير من كل عام، بدأت تتناقص. لا لعيب في الاستقلال وإنما لعيوب ما بعد الاستقلال. وبمعنى أدق فإن معدل انخفاض الفرحة السنوية بذكرى الاستقلال كانت وراءه أخطاء وإخفاقات الحكومات التي تعاقبت على السلطة. { ولقد كانت لتلك الحكومات أو لبعضها إيجابيات وإنجازات، لكن الأخطاء والتقصيرات هي التي كانت في النهاية تغطي على الموقف وكان ذلك ينعكس سخطاً شعبياً ضد الحكومات وفرحاً ناقصاً بالاستقلال في ذكراه السنوية. { بل إن البعض كانوا عندما يتذكرون أو يقرأون عن كفاءة الخدمة المدنية أيام الاستعمار وقداسة المال العام و...إلخ.. يصلون إلى استنتاج هو أن عهد الاستعمار أفضل من العهد الوطني. وهو استنتاج خاطئ لكنه يعبِّر عن خيبة أمل في الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ الاستقلال. { والقضايا والمشكلات التي واجهت الحكم الوطني في فجره منتصف الخمسينات مازالت جاثمة حتى الآن ومنها التنمية والدستور ومشكلة الجنوب. وقد تمثلت أولى المحاولات الجادة الناجحة لحل هذه المشكلة في اتفاقية أديس أبابا عام 1972م التي نَعِم بعدها الوطن بقدر معقول من السلام والتنمية. ثم انهارت هذه الاتفاقية عام 1983م بنشوء حركة جنوبية مسلحة ولم تكن هذه الحركة تستهدف حل مشكلة الجنوب أو تحريره من هيمنة الشماليين على مفاصل الحكم المركزي أو إقامة دولة جنوبية مستقلة؛ وإنما كانت، كما ادعت، تستهدف تحرير السودان وإقامة السودان الجديد!! { ثم توقفت الحرب بفضل اتفاقية نيفاشا التي وقّعتها الحكومة والحركة الشعبية عام 2005م. لكن هذه الاتفاقية هي التي مهدت الطريق لانفصال الجنوب المرتقب والمتوقع إعلانه العام القادم. { ولذلك فإن الفرح بالاستقلال هذه المرة يجيء بأقل معدل ممكن. { وكانت الحكومات، منذ الفريق عبود الذي وصل الى السلطة في نوفمبر 1958م، تحتفي بذكرى وصولها الى الحكم أكثر من احتفائها بذكرى الاستقلال الذي لولاه أصلاً لما تسنَّى لها أن تحكم. { ولقد تحقق الاستقلال، كما قلنا، بالكفاح السياسي. ونعم كانت هناك أيام الاستعمار الذي جثم على الوطن بعد كرري 1898م، بعض الكفاحات المسلحة. لكنها لم تحقق المرجو منها وسرعان ما قُمعت. ولذلك لجأ الشعب بقيادة متعلميه لمنازلة ذلك الاستعمار الغاشم بالعمل السياسي. وكان مؤتمر الخريجين الذي أنشئ عام 1938م وما نتج عنه هو أهم وأبرز أشكال ذلك العمل أو الكفاح السياسي الذي توِّج بإعلان الاستقلال من داخل البرلمان يوم 19 ديسمبر 1955م وإقامة الدولة المستقلة. { لقد كان الاستقلال إنجازاً باهراً وسوف تبقى أسماء الذين تصدروه، وفي المقدمة منهم الزعيم إسماعيل الأزهري، في الوجدان الوطني الى ما لا نهاية. { وعاش السودان حراً مستقلاً.