في ما يجري في الساحة السياسية الآن نحن نلاحظ أنه كلما مضت اتفاقية السلام نحو التنفيذ في معطياتها وفي بنودها المختلفة تظهر جملة من القضايا، كأنما هذه الاتفاقية في تصميمها العام قد صممت على توافق بين القيادات التي وقعت عليها، ولعله كان من جانب المؤتمر الوطني أو الحكومة الأستاذ علي عثمان محمد طه ومن جانب الحركة الراحل د. جون قرنق، ولعله أيضاً برحيل روح جون قرنق رحل الكثير من روح هذه الاتفاقية ذلك في أن تمضي نحو الصيرورة ونحو الإنفاذ. ومن هنا سمعنا جملة من الأصوات لم نكن نسمعها في مراحل التفاوض، وحتى تقرير المصير الذي جاءت به هذه الاتفاقية كان الشعور والفهم العام أن مصير السودان قد حدد في مؤتمر جوبا بإرادة جنوبية خالصة منذ فترة طويلة وانبنت عليه عملية الاستقلال، ثم جاء حق تقرير المصير للشعوب بعد صدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان في العام 1967م وأصبح البعض يطالب به كأنه حق، بينما لم يقر هذا الميثاق حقاً لدولة مستقلة في أن تنقسم إلى دويلات وهو ما نص عليه ميثاق الوحدة الأفريقية التي رفضت جملة من مطالب بعض الأقاليم للانفصال في أن تكون دولة واحدة في جزئيات من القارة معلومة وهو ما ينطبق على السودان، لأن هذا الجزء هو جزء من خريطة السودان الموّحد، لكنه في عهد الأحزاب السياسية في مرحلة ما قبل العقدين الأخيرين من الزمان كان تقرير المصير مطروحاً أيضاً مثلما أن الأزمة نفسها كانت مطروحة وموجودة في الساحة قبل تجربة الحكم التي أسست لها الإنقاذ ومن ثم المؤتمر الوطني بعد ذلك، ولذلك فهي من القضايا الموروثة التي لا تسقط عنها مسؤولية القوى السياسية الأخرى والأحزاب. ولذلك فعلى الأحزاب ألاّ تقف مكتوفة الأيدي متفرجة تجاه مشهد التجزئة والانفصال، فإن وقفت متفرجة فهذا يكون قدراً من الخذلان الوطني لا نعتقد أن القوى السياسية يمكن أن تقبله لنفسها. فالقناعة الراسخة ما زالت عند الجميع أن تشهد الأيام القليلة القادمة حضوراً وطنياً من أجل الوصول لتجاوز المعضلات التي تواجه إنفاذ الوجه الأخير من اتفاقية السلام. هذه المقدمة شكلت مداخل للحوار حول الراهن السياسي مع الشيخ إبراهيم السنوسي مساعد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، الذي ينشر عبر حلقات حيث بدأنا بسؤال: { وماذا عن المتشددين من أهل الحركة الشعبية والمتمترسين والجارين جرياً نحو الانفصال. لم تقل فيهم شيئاً وهم أصحاب هذه الدعوة، لماذا إذن؟ هؤلاء لهم أسبابهم. ولكن أنا أصب حديثي وأوجهه للجانب الذي يلينا، فأنا أدعى لو أن هذا في ذهنك، أي تريد السودان موحَّداً، لكنت تعاملت مع الجنوبيين معاملة مختلفة. ولذلك فأنا في تقديري أن من خطأ المؤتمر الوطني أن بعض قياداته تنادي علناً بالفصل. فهؤلاء يخالفون فكر الحركة الإسلامية وتجارب العالم وعدم الفقه السياسي. { هل تقصد صراحةً هنا منبر السلام العادل؟ نعم هذا هو. أيضاً إذا كنت تريد أن يكون السودان موحَّداً فكان لا بد للحكومة من أن تتعامل بسياسة ملطفة معهم وليس سياسة الملاسنة أو المشاكسة التي ارتدت بعدم القبول وأعطت فرصة للجنوبيين أصحاب الانفصال والذين لهم أجندة مختلفة ليجدوا مناخاً صالحاً لفكرتهم للانفصال. ولذلك فهذا الذي فعلوه مقروء مع اعترافات مسؤولين كبار بأننا لم نكن نتعامل مع الجنوبيين بصدق وأن البعض منا كان مع الوحدة وآخرون مع الانفصال. { الآن دقت الساعة وحان الزمان ولا وقت للحديث هنا أو هناك، فعملياً ماذا أنتم فاعلون كحزب مؤتمر شعبي تجاه الجنوب إذا انفصل وصار دولة، فهل ستُنشئون فرعاً لحزبكم هناك؟ وكيف هو مستقبل الدعوة الإسلامية كواجب من واجباتكم، هل ستتواصل هي أيضاً؟ هناك جزء من سؤالك ستأتي الإجابة عليه لاحقاً بعد معرفة النتيجة ولكن هناك جزء يمكن الإجابة عليه، فنحن الآن رأسمالنا جميعاً، مؤتمر وطني على مؤتمر شعبي، في الوحدة؛ كان يجب أن يكون هم المسلمون الجنوبيون؛ لأن المسلمين الجنوبيين هم مع الوحدة لا شك في ذلك بعقيدتهم، وكان يمكن بالنسبة لنا، وقد حرصنا الآن على أن لا يبرز المسلمون الجنوبيون مواقف تجعلهم يقفون ضد التيار يُسبَّون على أساسها فيما بعد ويُحتقرون على أساسها ويوصفون فيما بعد بأنهم كانوا معارضين لاستقلال الجنوب. وبالتالي فنحن الآن نتعامل مع الحركة الشعبية بلطف لأن أي عاقل يعرف أن النتيجة ستكون الانفصال، ولهذا حتى ولو انفصل الجنوب ستبقى لنا معاملة وعلاقة معهم، فنحن الحزب الوحيد الذي له أنصار وحزب موجود رسمياً في الجنوب، فلا يوجد حزب شمالي قائم وله كينونة في الجنوب غير المؤتمر الشعبي، ولذلك نتعامل مع الحركة الشعبية، كما قلت لك ،بنضج حتى يبقى حزبنا قائماً. وأما عن تغيير اسمه أو منهجه فهذا موضوع سابق لأوانه ويأتي لاحقاً وفقاً للمناخ الذي سيحدث، لكننا حرصنا على التعامل معهم؛ فلو أن دولة جديدة تريد أن تقام فالمؤتمر الشعبي لابد أن تكون له علاقة معها كما له علاقة مع تشاد وإريتريا وجهات أخرى، وبالتالي سنسعى لإقامة علاقة مع الدولة الجديدة التي تقوم. أما عن كيف سيكون حجمها ومواصفاتها فهذا متروك لاحقاً بعد أن يتم ويحدث الانفصال، فنحن لا نعلم الغيب ولكن آمالنا ومشاعرنا وأشواقنا أن يظل السودان موحَّداً، وهذه المواقف منبثقة كما قلت لك عن عقيدتنا ومن مواقفنا السياسية السابقة. { الآن نشهد خروجاً لبعض كوادركم وهي تنضم للمؤتمر الوطني، ما الأسباب في ذلك هل ضاقت في حزبكم الأُطر الديمقراطية أم ماذا هناك؟ علماً بأن آخر من خرج منكم هو القيادي الحاج آدم؟ حقيقةً بدون الحديث عن شخص بعينه أقول إن هذه التنقلات في السودان من حزب لآخر مسألة قديمة. فالأحزاب السودانية إذا نظرنا لها نجدها تشهد التنقلات من حزب الأمة إلى الاتحادي الديمقراطي ومن الشيوعي إلى الاتحاد الاشتراكي وبالعكس وغيرها من الأحزاب فلماذا نحن؟ وكم شهدت الساحة من تحولات تمثلت في أحزاب دخلت في الإنقاذ. وبالتالي فالتنقلات الحزبية هي شيء طبيعي جداً في السودان، وهناك سوابق لا حد لها، وهناك زعماء كبار تحولوا، وكذلك هناك انشقاقات قديمة أيضاً حدثت في الحركة الإسلامية؛ ذلك عندما خرج يوماً ما عنها الرشيد الطاهر الذي كان مراقباً عاماً للإخوان المسلمين، فنحن حركة تقوم على الفكر يبقى معنا من يقبل أفكارنا ويخرج من يريد، أي أن يبقى معنا من يريد عن قناعة ويخرج بذات القدر عن قناعة أيضاً. وبالتالي فمادمنا حزب يدعو للحرية والديمقراطية فلابد أن أقبل هذا المبدأ، أي أن يبقى معنا من شاء بحرية وأن يخرج من شاء بحرية. ولذلك فهذا شيء طبيعي أن يخرج الناس إذا رأوا أنه ليست هناك حرية وديمقراطية. وآخر من خرج وذهب للمؤتمر الوطني قال إنه يريد أن يذهب لحل قضية دارفور وإيجاد سلام وأنا سعيد جداً أنه إذا كان المؤتمر الشعبي يخرج قيادات تذهب إلى أماكن أخرى في أجزاء أخرى وتحقق السلام في دارفور فهذا يسرنا، وإن كنت قد خسرته هو كرمز ولكن ربحت البلاد بأن جاءها رمز آخر وحمل السلام. { كيف تنظرون في قضية دارفور لمستقبل مفاوضات منبر الدوحة؟ نحن نحبذ أن يستمر منبر الدوحة وتلقى مننا الدوحة وقطر استجابة؛ لأننا نشعر أن قطر ما زالت هي الدولة الوحيدة التي ليست لها أجندة في هذا الموضوع وسخاؤها قد يكون أيضاً سبباً مسهلاً، إضافة لتجربتها التي قامت بها في لبنان فهي أيضاً تؤهلها لذلك. عليه فنحن مع الدوحة ومع منبرها، ولكن تعقيدات قضية دارفور كثيرة جداً بمعنى أنه ليس فقط أن تأتي الأطراف المتعددة للدوحة وكذلك هناك تعقيدات في دارفور نفسها. فالمؤتمر الوطني هناك مطالب لا يريد أن يجيب عليها أصلاً أو يعطيها. وكان من السهل جداً بمثل ما أعطى الجنوب مطالبه في الإقليم والسلطة والثروة والتنمية كان يمكن أن يضفي ذلك على قضية دارفور؛ لأن قضية دارفور أدعى أن تعطي مثلما أعطى الجنوب؛ لأن دارفور كانت دولة مستقلة والجنوب لم يكن دولة مستقلة، فهو لا يريد في التفاوض إشراك القوى السياسية بل يريد أن ينفرد بالحل بمثل ما انفرد في أبوجا ونيفاشا.