نقول بأن الظروف السياسية السيئة التي يعيش فيها السودان في هذه الأيام لا تسمح لمن له ذرة من وطنية أن يستغلها لمآرب أو لمصلحة خاصة أو أن يعمل لإضعاف هذه الحكومة بغرض إسقاطها. وقبل أيام توقفت مندهشاً للحديث الذي نقلته الصحف وتحديدا فقد طالعته بصحيفة «الأهرام اليوم» على لسان السيد المدير العام لجهاز الأمن الفريق محمد عطا المولى في ندوة بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم حول الأمن والسلم وقال فيه: «إن الأحزاب المعارضة تتربص وتتمنى أن ينفصل الجنوب وأن يقع خلل أمني يؤدي لإسقاط الحكومة». ومع احترامي الشديد لمدير جهاز الأمن وقطعاً هو يتحدث من منطلق مسؤوليته ومتابعته اللصيقة للأمن في البلاد وهو يعرف ما لا نعرفه وربما له ما يستند عليه في قوله وتحذيره الذي تفرضه عليه هذه المسؤولية، ونحن نؤيد هذا الحرص والمتابعة ولكن مع هذا كله فلا أرى مبرراً للتعميم في هذا الحديث لأن عبارة (الأحزاب المعارضة) تشمل كل الأحزاب دون استثناء وهي كذلك تتمنى انفصال الجنوب وأن يحدث الخلل الأمني لتسقط الحكومة. وأقول بأن هذا الاتهام الذي شمل كل الأحزاب غير صحيح ونرفضه تماماً، ولكني أقول نعم ربما في يوم من الأيام قد كنا نتمنى إسقاط حكومة المؤتمر الوطني وأن تذهب غير مأسوف عليها، ولكن قد كان هذا في وقت وظروف غير هذه التي يعيشها السودان الآن. كما أقول بأن الحزب الاتحادي الديمقراطي لم يتمن انفصال الجنوب في يوم من الأيام. وقد وقفنا ضد هذا بقوة بل وقفنا ضد الانفصال أكثر من موقف حزب المؤتمر الوطني. والحزب الاتحادي الديمقراطي هو الوحيد الذي يشهد له التاريخ بأنه قد وقف ضد توقيع وثيقة إعطاء الجنوب حق الانفصال ورفض مندوبه آنذاك المرحوم د. أحمد السيد حمد من دون كل الأحزاب أن يوقع على وثيقة تقرير المصير، وكانت صحيفة «الأهرام اليوم» قد نشرت هذه الوثيقة على صدر صفحتها الأولى. ومصداقاً لتوقعاتنا فإن تقرير المصير قد جاء وتقف خلفه وتسانده وتدعم الانفصال القوى الأجنبية وهي تستهدف السودان الشمالي المسلم وقد كنا نتوقع بأن الانفصال عندما يحدث سيكون ضرره شاملا للسودان كله ولكل الأحزاب وليس حزب المؤتمر الوطني وحده والواجب يتطلب أن نقف مع هذه الظروف أبناء الوطن الواحد وليس ممثلين لأحزاب مختلفة ووقوفنا لن يكون ضد حكومة بل هو ضد العدو الأجنبي، ولذلك فإني أرفض بشدة تعميم مدير جهاز الأمن لاتهامه كل الأحزاب، ونقول له إن كانت هناك أحزاب بهذا المستوى من الخيانة للوطن فالواجب كشفها وتسميتها بأسمائها، وأقول لسيادته بأن السودان وفي ظروفه الراهنة وبعد الانفصال لا أعتقد أن هناك عاقلا يسعى لحكمه وأقولها بثقة ولو تنازل حزب المؤتمر الوطني عن الحكم وقال تعالوا يا أهل القبيلة الاتحادية لتحكموا السودان فلن يجد من يقبل منه هذا العرض، وأقول هذا كرأي شخصي حتى لا يغضب عشاق الحكم ومن يتطلعون لكراسي السلطة وهم قلة من المحسوبين على الحزب الاتحادي. أما الاتحادي الأصيل والحادبون على مصلحة الوطن فهؤلاء لا يقبلون انفصال الجنوب ولا يعملون لإسقاط الحكومة، وأقول للسيد مدير جهاز الأمن إن بلادنا ستصل درجة من الخطورة بسبب هذا الانفصال وأن مستقبلها مهدد بالكثير وهذا الواقع لا يمكن أن يدفع حتى عشاق السلطة بأن يتآمروا لاستلام السلطة لا منفردين ولا من خلال حكومة قومية ونستطيع أن نحكي عن واقع بلادنا اليوم بأنه أسوأ حالاً من اليوم الذي جاءت فيه الإنقاذ عام 89 في عهد الجبهة الاسلامية وبالغوا في الإساءة والتعريف بحال البلاد آنذاك ووصفوها بأنها جنازة بحر وأرادوا إنقاذها وقالوا وقتها لو لم نأت لوصل الدولار إثني عشر جنيهاً. فنحن الآن نسأل كم وصل الدولار اليوم؟ كما وأسأل، وهل يمكن أن يحتمل انسان حكومة حالها أسوأ من جنازة البحر؟ وبعد الانفصال هل يستطيع أحد أن يتكهن كيف سيكون مصير هذا الوطن؟ وكيف يكون حال المواطن المعيشي؟ وكيف سيكون حالنا الأمني؟ إنها أسئلة لا أقول بريئة ولا أحكي كل هذا شماتة في من أوصلونا لهذه المكانة الخطيرة ولكني أردت أن أقول إن حال الوطن الآن أو في المستقبل لا يجعل أي حزب من الأحزاب يفكر في التآمر لإسقاط هذه الحكومة ويحل محلها ليحكم السودان بكل ما حوله من قضايا ومشاكل ستكون معقدة. والواجب أن نفكر في واقعنا بأن بلادنا تكون أو لا تكون ونريد من المؤتمر الوطني أن يتناسى تحزبه وأن يوقف إتهاماته للآخرين وأن يعمل على وحدة الوطن وجمع كلمتها لمجابهة المهددات التي تحدق بنا وأن مستقبل بلادنا لا يطمئن، وإذا تدبرنا الأمر في واقعنا وبالأمس قد احتفلنا بعيد استقلال بلادنا بدون أي مظاهر للفرح إلا استعراض القوة العسكرية التي تهدد كل من تسول له نفسه العبث بأمن البلاد، واحتفلنا ونحن نتوقع بأنه سيكون آخر احتفال بالاستقلال في سودان موحد لأننا بعد أيام سنجد أنفسنا تحت سيطرة استعمار جديد كان قد عمل على انشطار بلادنا إلى دولتين ستقف إحداهما مؤيدة للاستعمار الأمريكي وأخرى تعمل وتصارع لتحمي هويتها وعقيدتها. ونكرر بأن حال بلادنا لا يحتمل هذه الصراعات السياسية ولا يحتمل إحساس أهل المؤتمر الوطني بأنهم الأقوى ويتحدثون مستخفين ومتجاهلين كل أهل السودان وليعلموا بأنه ما عادت هناك قوة حزبية واحدة ستحمي السودان من المخاطر المحدقة به بل أن السودان في حاجة لوحدة كل أبنائه، ونقول بصراحة إن السودان في مقبل أيامه يحتاج لرجال يجمع عليهم كل أهل السودان ولا ينتمي هؤلاء لحزب من الأحزاب بل رجال فيهم الصدق والوفاء، والسودان مليء بهؤلاء. ولهذا فإني أؤيد ما جاء في اقتراح الأستاذ الهندي عز الدين وهو اقتراح شجاع بأن السودان في حاجة (لخبطة) عاجلة وسريعة ونتوجه بهذا الاقتراح للسيد رئيس الجمهورية لتبني هذه الخبطة التي نتوقع أن تتغير معها مخاوفنا من المجهول. وختاماً نقول لا لتعميم الاتهامات لكل الأحزاب ونعم للخبطة العاجلة.