الأمر المعروف سلفاً أن كل أهل السودان ومنذ أن تناقلوا الحديث عن تقرير المصير، تأكد لهم أن الإخوة في الجنوب سيقفون مع الانفصال إن كان هذا بأمرهم أو بأمر غيرهم، فقد تأكد لهم بأن الوضع الاقتصادي في الشمال سوف يصيبه تدهور كبير وسيكون هناك عجز في الميزانية نسبة لخروج البترول والذي سيصبح من نصيب حكومة الجنوب، وقد ظل هذا الأمر مفهوماً للجميع وهناك استعداد له، وأن الشعب مهيأ تماماً ليتحمل هذه الظروف ولا نقول الظاهرة، بل هناك من كانوا السبب فيها دون أن يعترفوا بذلك أو يعتذروا عن ما اغترفوه في حق هذا الشعب من جرم، ولكن الأمر الذي لم يكن متوقعاً هذه المفاجأة والمباغتة التي جاءت بها هذه القرارات القاسية بزيادة أسعار المواد البترولية والسكر، علماً بأنه قد كانت هناك زيادات موجودة من قبل في عدة مواد وهي زيادات لم تكن مبررة. والآن وبعد حدوث هذه الزيادات المفاجئة فقد ازدادت معاناة المواطنين، وأصبح هناك تذمر وشكوى ولكنها مكتومة وستظل كذلك بدون ردود أفعال، وربما يكون هذا أسبابه تقدير الظروف المحيطة بالبلاد وهي لا تحتمل، ونأمل من الحكومة أن تقدر صبر هذه الجماهير فرغم معاناتها لم تستجب لمن يحلمون بالخروج للشارع كما كان يحدث في زمان مضى «ويا حليله»، ولابد أن نقول لمن يتبادلون مثل هذا الحديث إن الشعب السوداني أصبح كل واحد يقول يا نفسي ولا يفكر في غيرها، وهذه هي الحقيقة التي لا تسر ولا تفرح، ونقول إن المهم والمؤلم أن هذه الزيادات قد تم إقرارها تحت قبة البرلمان وبإقرار وموافقة المجلس الوطني دون نقاش.. والمفروض من هذا المجلس الدفاع عن الجماهير، لكن الأعضاء قد أكدوا ما يدور حولهم من أنهم نواب الحكومة أو نواب الحزب الواحد والذي لا يمثل كل أهل السودان، ورغم الذي حدث فإننا نقول وتقديراً لظروف البلاد والانفصال الذي سيحدث، إن الشعب السوداني سيقبل بكل ما هو معقول إذا أحس بأنه سيؤدي للإصلاح العام الاقتصادي، ولكننا ما كنا نتوقع مثل هذه العجلة، بل كنا نتوقع وقبل هذه الزيادات أن تصدر قرارات أخرى.. ونقولها الآن للسيد رئيس الجمهورية وبعد أن نطالبه بالبقاء في قيادة الدولة، نطالبه أن يصدر فوراً قراراً بإعفاء هذه الحكومة لا غصباً منها، ولا محاولة مستحيلة مثل لحس الكوع، لأني لا أتوقع أن يكون هناك عاقل يسعى لإسقاط هذه الحكومة ليحل محلها وفي هذه الظروف التي تجعل السودان تحيط به مهددات مجهولة ولا يعلم مداها إلا الله. المهم أننا نطالب السيد الرئيس بأن ينفذ هذا القرار من أجل خير هذا السودان، ومن أجل حتى الذين يحكمونه، لأني أرى أن الكراسي التي يتربعون عليها ومع ما نتوقعه من ظروف، فإني أراها ستكون غير مريحة لهم، والواجب أن يتخلصوا منها من أجل هذا الشعب المغلوب على أمره، والأمر يحتاج منهم لتضحيات والحكومة الراهنة التي تحكم السودان إن كانت في الخرطوم أو في الولايات إذا بقيت بحالها وحجمها، فلن يكون هناك إصلاح اقتصادي، والواجب أن نحسب مرتبات ومخصصات نواب الرئيس والمستشارين والوزراء والمجالس التشريعية، والمعروف أن هذه الحكومة قد قامت بالترضيات ولأحزاب لها قاعدة جماهيرية لها، وهذه الحكومة وبشكلها الراهن وحجمها وترهلها لن يكون معها إصلاح، وما نقوله لأعضاء المجلس الوطني أن يقوموا بحل أنفسهم ومجلسهم قبل أن يصدر السيد الرئيس قراراً بتسريحهم، لأننا نرى في وجود هذا المجلس وبهذا الكم من الصرف عليه، فهو يعتبر عبئاً ثقيلاً لن يحتمله السودان في هذه الظروف، وعلى السيد الرئيس أن يستعيض عن هذا المجلس بعدد من رجال لهم قدرهم ومكانتهم ولا ينتمون لحزب من الأحزاب، ونعلم هناك من يقبلون هذا التكليف بدون مرتبات إلا بعض النثريات لمقابلة مصروفات عدد جلساتهم، وهؤلاء نقول عنهم مجلس شورى متطوع، وعلى هؤلاء أن يقبلوا هذا التكليف وهذه التضحيات، لأن هذه الحكومة لا تمثل كل أفراد الشعب السوداني، والواجب أن تنتهي في مثل هذه الظروف الصعبة، وننادي بضرورة زيادة وتقوية ودعم القوات المسلحة وقوات الأمن بكل مسمياتها من أجل حماية تراب هذا الوطن من كل استهداف، كما نقول إن الإصلاح المطلوب لن يتم إلا إذا تم استئصال هذا الترهل الحكومي وهذا الصرف البذخي والذي لا يستفيد منه الوطن، بل تعود فائدته لأفراد، ونكرر بأن حكومة بهذا الحجم لن يحدث معها إصلاح اقتصادي، وسوف تعجز تماماً من الصرف على متطلبات الشعب الضرورية، كما أننا سوف نفشل في تحقيق أ ي مجهود لزيادة الدخل القومي، والذي لا نرى له سبيلاً إلا الزراعة، والزراعة هي بترول السودان الذي لا ينضب، ولو وجدت الزراعة الدعم العاجل والصرف الحقيقي، فإننا سوف نضمن انصلاح حال بلادنا وفي أسرع وقت وفي سنوات قليلة بإذن الله، وعندما نقول نريد أن نزرع ليكون هدفنا الأول تحقيق شعار نأكل مما نزرع حقيقة، ولا نريد أن نستورد قمحاً من الخارج ثم نزرع لنصدر منتجاتنا إلى الخارج لنحقق عائداً مجزياً من العملة الصعبة خاصة الدولار، لنشتري به الضروريات الأخرى، والحقيقة التي يجب أن نقولها إن منتجاتنا لا تصدر ولا تنافس إلا إذا تم دعم المدخلات الزراعية دعماً تاماً، لأن تكلفة المدخلات الزراعية أكبر بكثير من عائد الزراعة النقدي، إننا نريد أن يكون الانفصال بالنسبة لنا «رب ضارة نافعة»، ونريد من الانفصال أن يكون ثورة كما قال الرئيس في افتتاح كوبري الحلفاية، ونريده أن يكون حافزاً للمزيد من انطلاقة العمل والإنتاج، ويجب ألا نفرض الزيادات على المواطنين لندفع عائدها مرتبات ومخصصات لفئة قليلة، والثورة الحقيقية التي نريد من السيد الرئيس تطبيقها أن لا يُدفع مرتب لمن لا يقدم في وظيفته عائداً يستحق عليه هذا المرتب، وإذا سألنا أنفسنا عن الجيش الجرار والكم الهائل من الذين يجلسون على كراسي الحكم دون أن نجد منهم نفعاً فهم قطعاً الأغلبية، والثورة التي نريدها وقف هذا العبث وهذه المجاملات، كما أننا نطالب بوقف الصرف على كل الفئات السياسية التي تعمل لدعم حزب المؤتمر الوطني وهي كثيرة ولا نريد تحديدها، ونريد أن ندعم من ينتج وليس من يطبل وينافق، ونحن نطالب بأن يذهب المال الذي يقتطع من جسم الفقراء والمساكين، أن يدفع فقط للمنتجين في الدولة وفي كل المجالات التي تحقق عائداً للمزيد من الإصلاح الاقتصادي، ونقول إن من يؤدون عملاً يجب أن تدفع لهم رواتبهم كاملة بدون نقصان، لأنهم يستحقون. إن ما ذهبت له من مقترحات ربما هناك من يندهشون له أو يرفضونه، وأقول في هذا أولاً ولجميع أهل القبيلة الاتحادية معذرة لهم، فإن هذه الآراء شخصية ولا علاقة لها بالحزب الاتحادي الديمقراطي، وأقول هذا أيضاً لكل الأحزاب التي تتطلع للديمقراطية، فإن كل ما قلته ليس فيه إشارة لما يسمى بالتحول الديمقراطي، لأني قد اقتنعت شخصياً بأمر مهم وبعد تجربة حكم الإنقاذ فإن الديمقراطية مع الفقر لا تصلح وخاصة تحت مظلة نظام يحتكر السلطة وينحاز لمؤيديه فقط، وربما كان هناك من الأحزاب من يحلمون بذهاب عمر البشير وحكومته، ولكني اختلف معهم بأن يبقى عمر البشير وتذهب حكومته، ومعنى هذا فإني إيضاً ضد الحكومة ذات القاعدة العريضة والتي جعلت حتى المحسوبين على الاتحادي الديمقراطي من عشاق السلطة، يجهزون أنفسهم للمشاركة فيها، ولكن واقع السودان لا يحتمل لا عريضة ولا قصيرة.. بل يحتمل ثورة من أجل الإصلاح الاقتصادي العاجل، وإني أتمنى لو عدنا إلى ما قبل عام 1989م لنرى كم كان سعر الدولار وكم كان سعر جالون البنزين والجازولين وماذا حدث عندما زاد الصادق المهدي رطل السكر قرشاً واحداً؟.. فنحن لا نريد أن نطالب عمر البشير بالذهاب هو وحكومته، بل نريده أن يبقى وتذهب حكومته من أجل الإصلاح الاقتصادي، ولا نريد أن نطالب بديمقراطية ونحن فقراء، لأن من لا يملك قوته لا يملك قراره، ولنسأل أنفسنا.. عندما كانت هناك ديمقراطية وأقيمت فيها الانتخابات الأخيرة، هل استطعنا أن نقرر ما نريد؟.. الإجابة قطعاً لا.. لا تقولوا إن الديمقراطية تحت مظلة الفقر تجدي، فلنقف جميعاً مع عمر البشير ونطالبه وفي إصرار بإعادة النظر عاجلاً في حكومته الراهنة من أجل الإصلاح الاقتصادي لنخرج من دائرة الفقر، ثم نطالب بعد ذلك بتطبيق الديمقراطية ونحن قد ضحينا لأكثر من عقدين من الزمان فلماذا لا نضحي لبضع سنوات أخرى حتى تنصلح حالنا ونقف على أرجلنا، إنها أمنية لا غرابة فيها، ونسأل الله أن ينحاز السيد عمر البشير لصالح الشعب السوداني والذي نكرر القول بأن حاله الاقتصادي لن ينصلح تحت مظلة الحكومة الراهنة، وإذا تعذر على السيد الرئيس أن يفعل ذلك، فإن الفقر يجبر على محاولة لحس الكوع!!