{ إذا كنت من المحظوظين الذين سيطالعون هذا المقال مع بداية العام الميلادي الجديد؛ فذلك يعني أنه لا يزال في العمر بقية، وكثيرون منّا كانوا منذ زمن ينظرون للعام 2011م على أنه أمر بعيد الحدوث، ولكن ها هي الأيام قد مضت مسحوبة من أعمارنا، منسربة من بين أيدينا، لنجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام العام الجديد. { وإذا كنا سنتبادل الأمنيات الطيبات والتهانئ، فعلينا بالمقابل أن نتبادل التعازي وعبارات المؤاساة على ما ضاع من سنواتنا النضيرة، ونحن لا نعلم كم تبقى تماماً في عداد أعمارنا، ورغم ذلك فلننظر إلى الأمر على أنه فرصة جديدة للفعل الإيجابي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. { فتعالوا نغتنم الفرصة، نحاول أن نقترب من أنفسنا أكثر، نتعرف إليها من جديد، نحتضنها بلهفة، نحاورها بعد غياب، ونكسر حاجز الحيرة والصمت بيننا وبينها، نشغل الأنوار ونستقبل شروق الشمس الجديدة في أعماقنا ببعض الأمل والرغبة في الإنجاز. { لنحاول معاً، أن نزيل الغبار عن زوايا حيواتنا المهجورة، ونفتح صفحات جميلة أغلقتها الأيام وضغوط الحياة، ونعيد قراءة تفاصيلنا، ونتخذ قرارات تتوافق وجلال ما تبقى لدينا من أزمنة، قرارات غير قابلة للتراجع، فالساعات القادمة لا تحتمل التردد، لأننا سنحاول أن نحيا الحياة كما يجب، فهي قد لا تدوم طويلاً، وليس علينا أن نمضيها في الضيق والأسى والحقد والسخط والعذاب. { سأحاول أن أتقرب إلى الله قدر استطاعتي، لقد منحني سبحانه وتعالى خيراً عميماً وحباً كبيراً، ومنحني الصحة والستر والوظيفة والزوج والأبناء والحياة المعتدلة، فلماذا أمعن في تبرمي من «الإيجار» وأسب أبنائي، وأتذمر من إرهاقي، وأخاصم زوجي، وأقطع رحمي، وأشكو من تصاريف زماني؟!! يجب أن أقتلع جذور الشر الممتدة داخلي، وأهدم مدن الضياع التي شيدتها السنوات الماضية في واقعي، وأنتصر على نفسي الأمّارة بالسوء، لأتجول في حدائق الخير، وأجتهد في تطهير أعماقي بالصلاة والصيام والذكر والدعاء، وكلها أمور إيجابية أسهل وأفضل وأقيم من كل السلبيات اللعينة. { سيحاول الشيطان بالمقابل أن ينوشني- كعادته- ولكنني سأرجمه بإصراري على العودة إلى الله، وسيعينني -سبحانه- على ذلك، سألجمه بقوة الإيمان، وأغلق في وجهه الأبواب، وأقطع عليه الطريق إلى قلبي وعقلي، لن أمنحه فرصة أخرى للانتصار عليّ، سأكون - بإذن الله- الأقوى منه والأقدر على لعنته وهزيمته. { سأغتنم الفرصة وأطرق أبواباً طال غيابي عنها، وأزور أماكن لم أتمكن من زيارتها، وأحيي سنناً هجرتها زمناً، وأصافح أناساً توقفت عن مصافحتهم، وأخفض جناح الذل لأحبة أستمد القوة منهم، وأبدي الامتنان اللازم لأناس منحوني رحيق أعمارهم، وأدثر بالحب من أرجو أن يدثروني بالبر والأمان يوماً. { أطلّ العام الجديد، فلنجعلها إطلالة مختلفة، نهجر كل ما يدنسنا، ونطهر جوارحنا، قلوبنا، ألسنتنا، فلنلاحق الخير والجمال أينما كانا، ونجتهد في تفريج كربات بعضنا البعض، ونستر عوراتنا، ونمنح الفرح قدر المستطاع، ومهما تخاذلت طاقتنا في سبيل ذلك؛ علينا أن نرفع أكفنا بالدعاء، ففي السماء رب وسعت رحمته كل شيء، وهو القادر على صنع المعجزات، التي تحيل جفافنا إلى اخضرار، وفقرنا إلى غنى، وخوفنا إلى أمان، وقسوتنا إلى طيبة. { اللهم، بحق جلالك، نسألك خير هذا العام وخير ما فيه، ونعوذ بك من شره وشر ما فيه، إنك الوهاب، الرزاق، بأمرك ننعم بالأمن والاستقرار والغد الأفضل، وبحولك نستعيد عافيتنا، ونقاءنا، وودنا، وتراحمنا، وتعاضدنا، وإنك صاحب الأمر الذي بأمره تتم الصالحات، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، وأفضل، وتعيننا على أيامنا القاحلة التي نرجو فيها برحمتك أن يستعيد رغيف الخبز عافيته، وتشفى الأسعار من جنونها، آمين. { تلويح: كل عام وأنتم بألف خير، وسنة جديدة سعيدة..