{ اليوم تكمل (الأهرام اليوم) عامها الثاني، وأحياناً يحتفل أبناؤنا بذكرى ميلادهم وهم على فراش المرض، دون أن يعني ذلك توقف الحياة.. أو يغير من شعورهم بالنضج واجترارهم للذكريات الحميمة التي عبرت عامهم المنصرم وكانت زاداً وتاريخا. و(الأهرام) واحد من أبنائي.. وافاني مخاضها العسير وأنا أتلمس خطاي في عالم الصحافة بين دعم البعض وثنائهم على مقدراتي وبين اضطهاد الآخرين وتنديدهم بي... لتكون هي التحدي الأكبر في أن أكون أو لا أكون. تلقيت العدد الأول منها بين يدي بفرحٍ غامر وقلب واجف مثلما حملت ابنتي البكر بين ذراعي لأول مرة، وبذات الحب الكبير راهنت عليها لتعينني على حياتي وتحقق لي العديد من الأحلام، وقد كانت الفرصة التي منحت لي عبرها ضرباً من ضروب حسن الطالع والمعجزات.. والثقة التي منحني إياها الأستاذ (الهندي) حينها كانت تستحق المغامرة رغم الزخم الذي كان – ولا يزال – عليه شارع الصحافة بإصداراته المتعددة التي ما لبثت صحيفتنا الوليدة أن اختزلته بين جنباتها. { لقد منحتني (الأهرام اليوم) أكثر مما أستحق، كل هذا الحب الكبير والتقدير الذي يحفني به القراء... وذلك الاستقرار النفسي والمهني والمادي في هذا الزمن الموبوء بالفشل والإحباط وضنك العيش، منحتني الستر والشهرة وأعانتني على تصاريف زماني وعالجت فيّ أمراض الدونية والإحساس بضياع الذات.. جعلت مني إنسانة فاعلة تعبر عن فكرها بحرية وترضي طموحاتها الكتابية في جو من الديمقراطية والاحترام المتبادل. وكانت سبباً في عقدي للكثير من الصداقات النبيلة والتعرف إلى شخصيات رائعة ومهمة ومثقفة وشهيرة ما كنت لأعرفها لو أنني ظللت قابعة في عقر داري أعلق شهادتي الجامعية على الجدار وأشخبط بعض الحروف على دفتر صغير أخبئه تحت وسادتي. { وإنني إذ أحمد الله على نعمائه.. فإنني أحمده أولاً أن منحني للحظة تلك الروح المتطلعة ونفخ في تلك الجرأة التي جعلتني أطرق باب الأستاذ (الهندي) على استحياء وأنا أحمل تلك النماذج المتفرقة التي تفتقر إلى الموضوعية من كتاباتي وأمر بمنعطفٍ خطير في حياتي كنت فيه أحوج ما أكون للعمل وتحقيق الذات، ليجعله الله سبحانه وتعالى سبباً في ما أنا عليه الآن بعد أن بث في نفسه الرضا والقبول بالقدر الكافي ليرى في كاتبة صحفية واعدة وجدت نفسها فجأة أمام هذا التحدي الكبير ولم يكن أمامي سوى أن أكون أو لا أكون.. فقد كانت تلك حقاً سانحتي الأخيرة للتغيير وأرجو أن أكون قد اغتنمتها كما يجب وكنت عند حسن الظن. وأعترف أنني لم أبذل الكثير من الجهد في سبيل هذا النجاح.. فكل ما فعلته أن عاهدت نفسي على الصدق معها أولاً، لهذا كثيراً ما تجدوني أكتب لكم من منظوري الشخصي دون فلسفة أو فذلكة... أكتب فقط ما أحسه وما يحركني وما يؤثر على حياتي التي تشبه حياة الكثيرين منكم وبكل بساطة ودون معاونة من أحد. أما القبول والثناء الذي يغدقه علي البعض فهو من الله... وأما القصور والتحامل والخواء الذي يراه في آخرون فهو من عجزي وضعف تجربتي وقلة حيلتي فلكم العتبى حتى ترضوا. { تلويح: أصدق التهاني أزفها تحديداً لجميع القراء بمختلف مشاربهم وأهوائهم.. فهم الزاد والسلوى والوقود الحقيقي الذي يدفع بنا نحو الأمام... نجدد عهود التفاني والولاء.. لتبقى (الأهرام اليوم) تعانق عنان السماء.. وكل عام وأنتم أجمل وأفضل القراء.