برغم وجود نسبة كبيرة من الشباب الفاعلين والناجحين في مجتمعنا العريض، والذين يُعتبرون بمثابة نماذج مشرّفة تؤكد على الطموح والنجاح والمبادرات الإيجابية، إلا أن ذلك لا ينفي وجود شباب على الجانب الآخر مناقض لأولئك المشرّفين.. نعم هناك شباب تحت الصفر، يتسم بالسلبية واللامبالاة ولا يعنيه كل ما يدور حوله من تفاصيل وأحداث لاسيما داخل الإطار الأسري، وكأنه ليس فرداً من هذه العائلة أو ذلك المجتمع. إنهم الشباب المحبط المتواكل، المستكين، وهم دائماً يجدون (شماعات) يبرعون في ابتكارها لتبرير ما هم عليه من سلبية واضحة، تبرز أهم ملامحها في الفشل الدراسي والعطالة والهروب الدائم من المنزل والانغلاق داخل إطار ضيِّق ومحدود لحياتهم. ومهما كانت دوافع ومبررات العطالة الفاضحة والمقنعة مقبولة، فلا يفترض أن يظل هؤلاء الشباب يلقون باللائمة على الحكومة وتقصيرها عن توفير الوظائف، فحتماً من غير المنطقي أن تتمكّن الدولة من توفير وظائف تتناسب مع عدد الخريجين بالتمام والكمال، والأمر ينسحب على كل دول وحكومات العالم لذلك يسعى الشباب لإيجاد البدائل المناسبة من مشاريع ذاتية صغيرة أو القبول بالمتاح من المهن حتى وإن لم تكن تتناسب مع مؤهلاتهم الأكاديمية أو أوضاعهم الاجتماعية، وهذا يندرج تحت بند (القُحّة ولاصمّة الخشُم) فمن غير المعقول أن يظل الشاب متشبّثاً بحلمه النبيل في الحصول على وظيفة مرموقة براتب مجزٍ وتقدير اجتماعي كبير في ظل التردي الواضح الذي طال كل مناحي الحياة. إذن.. لابد من بعض التنازلات بدلاً عن البكاء على اللبن المسكوب والبحث عن ذرائع واهية لتبرير ضياع الوقت وعدم الإكتراث والتشدُّق بعبارات التذمُّر والسخط وإدعاء الظلم والمسكنة. فمثلما لنا جميعاً حقوق، فعلينا واجبات.. ومن أهمها الواجب المنوط بنا تجاه أنفسنا وأسرنا الصغيرة لا سيما الوالدين، فبماذا يبرر بعض الشباب ما هم عليه وأحدهم يصحو من نومه بعد أن ترتفع الشمس إلى كبد السماء ليغتسل ويهجم على المطبخ ليقضي على الأخضر واليابس ثم يرتدي ملابسه المعلّقة منذ يومين على المشجب ويخرج من باب المنزل ليهيم على وجهه دون هدف متسكعاً بين ظلال الأشجار والدكاكين ويمضي وقته في أحاديث ممجوجة عن الكورة والفنانين الشباب وتبني آراء سياسية معارضة لايفقه عنها شيء سوى أنها ذريعة لتبرير وضعه المذري ليعود منتصف الليل إلى المنزل فيستلقي على أقرب فراش وينوم ملء جفنيه في انتظار صباح آخر بذات النمط؟!. وحتى لانتحامل على كل الشباب، فإنني أعلم أن هذا النوع الذي لايتجاوز نسبة محدودة قد يكون له أسبابه الموضوعية التي ساعدته على هذا الهروب من المسؤولية والاستسلام للفشل والإحباط، وأكثر هذه الأسباب تأثيراً هي غياب الحوار داخل الأسرة، وقد بدا واضحاً أن معظم البيوت بدأت تفقد ملمحاً مهماً وحميماً من ملامحها القديمة. فلم يعُد أفرادها يجتمعون كالسابق حول مائدة الغداء في موعدها الثابت والمقدس بحيث تكون هذه اللمّة أشبه بالاجتماع، ليتم عبرها تداول الأحاديث وتبادل الأخبار وتفقُّد الأحوال. الآن نحن في عصر (التيك أوي) والسندوتشات والمواعيد غير المعروفة كما أن قسوة بعض الآباء وفهمهم المغلوط لمضمون الأبوّة دفع بأبنائهم للنفور منهم وتجنبهم والفرار من لقائهم، بالإضافة إلى أن عامل الحرج الذي يراود الشباب لإحساسهم بالعجز عن تحقيق طموحات ذويهم يتسبب ذلك في هذا النوع من الهروب، إلى جانب ذلك هناك أسباب أخرى تؤدي لغياب دور الأبناء الشباب داخل الأسر، ومنها تغوُّل العولمة والانحراف والإدمان والدلال الزائد الذي يأتي بنتائج موازية للقسوة إذ أن الشاب المدلل يحيا في دّعه ولا يعتاد على تحمُّل المسؤولية، أو تربية أبنائه كما يجب لتكون المحصلة الأخيرة المزيد من النماذج السالبة داخل المجتمع الذي لا يعفي من المسؤولية لأنه بدأ في تهميش شبابه والنظر إليهم بعين الاستخفاف ولم تعد هناك مناشط اجتماعية ولا أندية حيوية، وتراجع دور الثقافة ومراكز التأهيل عن السابق ولا يزال هناك الكثير للحديث عن هذا النوع من الشباب المثير للشفقة والاشمئزاز وهم جديرون بالدراسة والتمحيص عسانا نجد الحلول اللازمة لتحريك مياهم الراكدة ودفعهم لبناء مستقبلنا. { تلويح: «الأمم تُبنى بسواعد بنيها». تبين أن الهررة عندما تكون منزعجة تظهر عليها علامات مرضية مثل التوقف عن الأكل أو التقيؤ بالرغم من انها لا تشكو فعلياً من أي شيء.!