فريق أول جعفر حسن محمد أحمد ازاء إعدام صدام حسين في أول أيام عيد الأضحى إثر محاكمة اعتبرها خسيسة وسط تساؤلات عما إذا كان إعدام الرئيس العراقي سيساعد العراق، وأما الصحف الكويتية فهي التي خرجت عن الإجماع العربي باعتبار أن لها قضية خاصة مع صدام حسين لغزوه الكويت في العام 1990م وعليه رأت «صحيفة القبس» الكويتية أن «العدالة في العراق اقتصت من صدام على جريمة ارتكبها فأخذت بعضاً من حق شهدائنا الذين قضوا على يدي نظام صدام» حتى أن بعض النواب الكويتيين طالبوا الحكومة الكويتية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي لم تؤيد حكم الإعدام على صدام وخرجت جماهيرها وصحفها تندد بعملية اغتيال وشنق صدام حسين. لم تعلن أي دولة عربية أن صدام حسين مات شهيداً بالرغم من المسيرات الشعبية التي جرت في معظم الدول العربية تندد بإعدام صدام حسين، فضلاً عن أن الشارع في جميع البلاد العربية كان رافضا الحكم بالإعدام، ولكن لم يصدر عن هذه الدول موقف رسمي بهذا المعنى مع العلم أن جميع المواقف الرسمية العربية والإسلامية اعتبرت عملية تنفيذ الإعدام بصدام حسين عملية انتقام نفذت بشكل همجي. ويستثنى من هذه المواقف الموقفان الليبي واليمني ومفتي الديار المصرية الأسبق. وأما ليبيا فقد أعلنت الحداد ثلاثة أيام على أسير الحرب صدام حسين الذي أعدم فجر العيد، تم تنكيس الأعلام وإلغاء مظاهر الاحتفالات بما فيها مظاهر العيد حداداً على أسير الحرب. ومن جهته انتقد العقيد معمر القذافي الإعدام المبرمج للرئيس صدام، مؤكداً أن محاكمته باطلة وتعتبر محاولة باطلة ومهزلة ومسخرة لأنها جرت تحت الاحتلال. وقال العقيد القذافي أمام دبلوماسيين عرب وغربيين ورجال دين وصحفيين بمناسبة عيد الأضحى والسنة الجديدة إن صدام حسين المحكوم عليه بالإعدام أسير حرب أطاحت به قوات الغزو الأجنبي وليس الشعب العراقي لذلك فإن هذه المحكمة باطلة ومهزلة. وقال إن افترضنا أنه يجب أن يحاكم فيجب أن تحاكمه أميركا وبريطانيا وتتحملا مسؤوليتهما بشجاعة. وأضاف «هناك إبادة جماعية في العراق بأيد عراقية وإبادة عرقية للشعب العربي، وبثت وكالة «جانا» بياناً حكومياً ليبياً أن اللجان الثورية قررت إقامة تمثال صدام حسين إلى جانب تمثال البطل «عمر المختار» والذي أعدم أيضاً عام «1931». أما حكومة اليمن فقد قبلت وبناءً على طلب ابنة صدام حسين رغد أن يدفن صدام حسين باليمن وقد طلبت الحكومة اليمنية رسمياً من حكومة العراق تسليمها جثمان الرئيس صدام ليدفن باليمن بناء على رغبة أسرته وكذلك فإن اليمن من الدول القليلة التي طلبت وتدخلت مع السلطات العراقية لإرجاء إعدام صدام حسين وأما الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق فقد أكد أن الرئيس العراقي صدام حسين مات شهيداً، مشدداً على أن علاقة صدام بالخالق سبحانه وتعالى كانت طيبة في الفترة الأخيرة. وأفتى مفتى مصر الأسبق بجواز أداء صلاة الغائب على صدام حسين لأنه ظل يدافع عن وطنه ضد الاحتلال الأمريكي وأنه في النهاية مسلم. ولفت واصل إلى أن الشريعة الإسلامية بها ضوابط للقصاص حيث يتم مراجعة الشهود أكثر من مرة وتذكرة مرتكب الخطيئة أيضاً. واوضح أن الإسلام يرفض تنفيذ القصاص في أيام الأعياد حيث يحث على الفرحة والبهجة بين الكبار والصغار. وأما داخل العراق.. فكرست ردود أفعال العراقيين تجاه إعدام رئيسهم السابق صدام حسين صورة الانقسام بين أطياف الشعب العراقي الذي ظهرت بوادره الطائفية والسياسية جلية بين صفوفهم منذ سقوط بلادهم بيد الاحتلال الأمريكي عام 2003م ففي المدن التي تقطنها أغلبية شيعية في جنوب ووسط العراق خرج الناس إلى الشوارع مبتهجين مرددين وأطقوا النيران فرحاً برحيل من وصفوه بالطاغية ولكن الصورة بدت مختلفة تماماً في المدن والأحياء التي تقطنها أغلبية سنية حيث خيم الوجوم وساد صمت حزين. ورغم حظر التجول الذي فرضته القوات الأمريكية والعراقية على مدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين فإن المئات من سكان المدينة خرجوا للتظاهر منددين بإعدام زعيمهم. ورغم أن الأكراد في شمال العراق كانوا من مؤيدي إعدام صدام حسين ويعتبرون ذلك منتهى العدالة بالنسبة لهم فإنهم صُدموا لدى سماعهم نبأ إعدامه وذلك لسببين الأول رفضهم إعدامه أول أيام عيد الأضحى لقداسة هذا اليوم والثاني لأنهم يتمنون فعلياً أن يدان على مقتل عشرات الآلاف من أبنائهم في مذبحة «حلبجة» التي يحملونه مسؤوليتها. وأما في الولاياتالمتحدة فأعلن بوش أن إعدام الرئيس العراقي السابق كان يجب أن يتم بطريقة أكثر وقاراً، داعياً العراق إلى فتح تحقيق كامل حول ظروف شنقه. وكانت الولاياتالمتحدة قد أعلنت أنها عبرت للحكومة العراقية عن تحفظات على توقيت إعدام صدام حسين ولكن المتحدث باسم البيت الأبيض «توني سنو» قلل من أهمية هذه التحفظات وقال إنه تم إحقاق العدالة، معتبراً أن محاكمة صدام جاءت متفقة مع المعايير الدولية. وأما في إسرائيل فقد عبر المشاركون في جلسة الحكومة الإسرائيلية صباح الاثنين 11/1/2007 عن سرورهم وغبطتهم من إعدام الرئيس العراقي. وقال نائب رئيس الوزراء بيرسي إن صدام استدعى أجله وهذه نهاية أعداء إسرائيل. وأما إيران فقد فرحت ودقت طبول الفرح لنهاية عدو صلب أذاقها مرارة الخسارة في الحرب. وقال كبير المراسلين الدبلوماسيين في BBC إن أسطورة صدام حسين قد بدأت الآن ولم تنته بإعدامه. لقد حول القتلة صدام إلى شهيد وبطل تاريخي لم تهتز صورته حتى النهاية ومنحوه لقباً ظل يحلم به طوال حياته ففاز به ميتاً وربما محت تلك النهاية بعض خطاياه، كما أن قتلة صدام صبوا مزيداً من البنزين على نار الحرب المذهبية والأهلية الطاحنة ونجح بوش في إذكاء جذوتها ربما لسنوات وعقود قادمة بعد رحيل الاحتلال. لتكريس الكراهية بين السنة والشيعة جاء حدث إعدام صدام حسين على يد الشيعة العراقيين ممثلين في نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية والذي استفز مشاعر السنة في جميع الدول العربية بقوله إنه لم يعدم صدام في يوم عيد الأضحى برغم أنه عيد السنة وليس عيد الشيعة وزعم أن عيد الشيعة كان في اليوم التالي لإعدام صدام حسين وهي التصريحات التي عمقت من هوة الخلاف بين الشيعة والسنة والتي جاءت في الوقت نفسه محققة للهدف الأمريكي العام والمتمثل في تقسيم العرب المسلمين في المنطقة إلى طرفين متباعدين متقارعين لا يمكن أن يلتقيا معاً حول هدف معين بسهولة. والمدقق في الإعدام من حيث التوقيت وطريقة التنفيذ يلحظ أن الولاياتالمتحدة أرادت أن تقدم من خلاله ثلاث رسائل مهمة، الرسالة الأولى للمقاومة العراقية وخاصة البعثية مفادها أن الماضي قد ولى وانتهى تماما وأن احلام البعثيين باستعادة حكمهم الضائع قد تبددت بالتخلص من قائدهم ورمزهم صدام حسين وأنه لم يعد أمامهم البعثيين سوى إلقاء السلاح والانخراط في العملية السياسية. وأما الرسالة الثانية التي أرادت واشنطن أن توصلها فهي رسالة واضحة وصريحة إلى كل الحكام العرب مفادها أن من يخالف واشنطن سيكون مصيره مماثلاً لمصير صدام حسين. وتعتمد إدارة بوش في ذلك على العلاقات الهشة بين أغلب الحكام العرب وشعوبهم وعلى أن أغلب هؤلاء الحكام لا يستمدون شرعية تواجدهم في السلطة من الناس وليس لديهم استعداد حقيقي للتحول الديمقراطي في بلادهم لأن هذه الديمقراطية ستؤدي بالضرورة إلى إزاحتهم من السلطة بوسائل دستورية وشرعية. ويبدو أن إدارة بوش كانت حريصة على توصيل تلك الرسالة المهمة للقادة العرب بعد ما فشلت فشلاً ذريعاً في جعل العراق نموذجاً للديمقراطية مثلما أعلنت من قبل. تتمثل الرسالة الثالثة: في أن الرئيس بوش أراد أن يبين للشعب الأمريكي أنه قد أنجز أحد أهدافه في العراق ليس بالتخلص من نظام صدام حسين وإنما التخلص من صدام حسين نفسه وذلك للتغطية على الإخفاقات والهزائم والفشل المتوالي لواشنطن في العراق والذي أصبحت قضيته عاملاً مهماً في حسم المنافسات السياسية الداخلية الأمريكية مثلما حدث في انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس والتي فاز بها الديمقراطيون فيما بعد. وأخيراً إرث صدام سيظل مفتوحاً على التحليل، حلمه ببناء الدولة القومية الحديثة، أخطاؤه، اعتزازه بنفسه حتى الغرور، هويته القومية وشعاراته الوحدوية بناؤه لصورته وأخيراً إعدامه الذي قدم تجلياً آخر عن صورته، فثباته أمام المشنقة ورده على جلاديه وضبطه لنفسه تجعل منه في أنظار مؤيديه شهيداً وبطلاً ظل يدافع عن عروبة العراق وفلسطين حتى آخر زفرة في حياته. بالتأكيد جاء الإعدام المتعجل ليعطي صدام المنبر الأخير لتأكيد صورته في عيون الكثيرين. وفي الوقت الذي كذبت فيه تصريحات بعض السياسيين فإن الصورة التي شاهدها البلايين لم تكذب .. صدام الرجل والزعيم سيبقى حقلاً للقراءات. إنه قلب كل الحكاية العراقية وكانت رحلته النهائية أسطورية. المراجع: 1 - صدام حسين رحلة النهاية أم الخلود - محمود عبده 2 - أحداث في حياة صدام- مهندس/ محمد مصباح مهندس 3 - تراجيديا إعدام رئيس عربي- د. عبد الكريم العلوجي 4 - صدام حسين من الزنزانة الأمريكية.. هذا ما حدث- المحامي خليل الدليمي 5 - من يصنع الضغاة؟ - مجدي كامل 6 - الحياة السرية لصدام حسين- أنيس الدغيدي 7 - شهادة صدام حسين للتاريخ «وفقاً للاستجوابات السرية الأمريكية ووثائق FBI السرية ومحاضر المحاكمات -دار الكتاب العربي 8 - حرب آل بوش-أريك لوران 9 - بعض البحوث والمقالات والمقابلات الصحفية العربية والغربية وبعض الوثائق الأخرى 10 - تجربة شخصية للباحث خبير وباحث في الشؤون العسكرية والسياسية