عمادالدين عبدالقادر الشريف فى إطار التركيز على الدور الذي تقوم به الطرق الصوفية فى نشر الدين الإسلامي وتصحيح المفاهيم الخاطئة، كانت الزيارة السنوية للشيخ الطيب الشيخ الهادي البشير الصابونابي بمجمع الشيخ الصابونابي الإسلامي بجبرة جنوب مربع 15 هي مناسبة سنوية تجمع الإخوان من كل جهات السودان، كلهم يأتون ليجددوا العزم ويجددوا عهد الطريقة السمانية لمؤسسها محمد عبد الكريم السمان، وهو من ذرية سيدنا أبي بكر الصديق، وكان يقيم بالمدينةالمنورة وبيته بالقرب من المسجد النبوى الشريف، والسمانية تفرعت من القادرية. ولد الشيخ أحمد الطيب ابن الشيخ البشير (رضي الله عنه) بقرية أمَّرحي شمال أم درمان سنة 1155 ه الموافق 1742م وحفظ القرآن الكريم ثم سافر إلى الحجاز وعمره سبعة عشر عاماً فأدَّى فريضة الحج، ثم سافر إلى المدينةالمنورة لزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأقام بالمدينة ملازماً لشيخ الطريقة الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان سبعة أعوام، وبعد ذلك أجازه الشيخ، فعاد مِن روضة المصطفَى عليه الصلاة والسلام بأفق أمَّرحي ومرّ بالأزهر الشريف بمصر. هذا الاسم (الصابونابي) يرجع إلى الجد الأكبر الشيخ سليمان الصابونابي العامري الحسيني الذي جاء إلى السودان في عهد السلطنة الزرقاء ومكث فى أرقو (الشمالية) ثم إلى الخرطوم، وكانت له خلاوي لتدريس القرآن ومسجد وحلقات للذكر والعلم، ثم انتقل إلى سنار عاصمة السلطنة الزرقاء آنذاك التي تقع بولاية النيل الأزرق بالقرب من محافظة سنجة، ولا زال أبناؤه بتلك المنطقة ومنهم من انتقل إلى جوار ربه. ولهذا الاسم سر يرجع إلى الجد الأكبر الشيخ سليمان الذي يلتقي نسبه بالإمام الحسين رضي الله عنه. تاريخ الشيخ سليمان، الذي اشتهر باسم الشيخ الصابونابي، يرجع إلى ما قبل المائتي عام، وقد حضر إلى السودان من القطر المصري ومن بلد أجداده (دراو) التي تقع في منطقة أسوان وبها مشهد جدّيه الشيخ عامر والشيخ عمران رضي الله عنهما، وقد مكث بمدينة الخرطوم مدة من الزمن وبعد ذلك استقر به الرأي أن يسكن بالريف، وقد اختار منطقة سنار عاصمة السلطنة الزرقاء حيث قابل زعيم مملكة الفونج آنذاك وطلب منه أرضا ليشيد بها مسجدا وخلوة للقرآن، وذلك عندما جاء إلى السلطنة الزرقاء فوجد فيها حاكما قويا (المك) واتخذ هذا الحاكم مصارعا قويا مقابل قضاء حوائج الناس، أي بمعنى أن كلّ من يريد حاجة عليه أن يتصارع مع المصارع أولا، فإذا تغلَّب على المصارع يُعطى ما يريد، وقد ترك هذا أثرا فى نفوس سكان المنطقة وأصبحوا لا يتقدمون بطلباتهم (للمك) تفاديا للعراك مع هذا المصارع، وعندما تقدم الشيخ بطلبه ووجد هذا الشرط قائما وافق على مصارعة الرجل صاحب الجثة الضخمة، قويّ البنية، بينما كان الشيخ ضعيفاً ونحيل الجسم لأنه كان زاهداً وذاكراً، فاستعان بالله عليه، وبقوة الإيمان صرعه، فخطر عليه أنه كان يصد الدعاة ويقف أمامهم فقتله الشيخ، وتساءل السلطان: هل أبقيت في روحه شيئاً؟ فقال له بل قتلته كما يصوبن الثوب بالصابون، فأطلق عليه الحاكم (صابون تية) باللكنة بلغة الفونج، فصار بمرور الزمان صابونابي، وهذا يذكِّرنا بقصة رسول الله عندما لقي (ركانة) وهو رجل اشتهر بالمصارعة، فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال له إن صارعتني وغلبتني آمنت بدعوتك، فوافق النبي وصارعه فصرعه، وطلب منه ركانة أن يصارعه مرة ثانية فغلبه رسول الله، فآمن به. ثم طلب الصابونابي من الحاكم قطعة من الأرض يسكنها هو وأسرته والمريدون والمحبون، وقد استجاب الحاكم لما رأى من دلالة واضحة بأن للشيخ سليمان جاهاً عظيماً، وقد استطاع بعد ذلك أن ينشر الطريقة القادرية قي تلك المنطقة، فأرشد عدداً كبيراً من الناس، وقد شاع إرشاده في مناطق متعددة من أنحاء السودان، وقد شهد بفضله الحكام وكانوا يكنون له كل الاحترام والتقدير، فتربى على يديه الكثير من أبناء المسلمين في تلك المنطقة، وظل إلى أن توفاه الله مرشداًَ وخادماً للسنة النبوية، وقد سلك أبناؤه نفس المنهج فكانوا يقومون بتزويد المريدين بالإرشاد والموعظة الحسنة، ثم جاء عهد خلافة حفيده التقي الورع الشيخ عبد الله الصابونابي، الذي تتلمذ على يد القطب والملاذ الشيخ أحمد الطيب ود البشير، ناشر الطريقة في السودان، وقد فتح عددا من الخلاوى ليدرِّس القرآن الكريم، وقد كان ينفق على الطلبة الذين يأتون لتلك الخلاوي بكل إخلاص وتفان، إلى جانب ذلك فإنه كان يقيم أماكن خاصة للمأكل والمشرب لجميع المريدين والمحبين والضيوف الذين يؤمون تلك المساجد كل يوم، حتى أن ضيوف الشيخ ومحبيه ومريديه وطلاب العلم كانوا يجدون كل ما تشتهيه النفس من الطعام ساعة حضورهم إلى المسيد وإلى يومنا هذا، مما جعل الناس يتفاءلون في تلك المنطقة بزاد الشيخ عبد الله الصابونابي حتى صار تيمنا في الولائم، يقول الناس: اللهم اجعل هذا الزاد كزاد الشيخ الصابونابي، وقد أرسى الشيخ عبد الله الصابونابي قواعد مسجده حتى أصبح مضرب الأمثال، فصار الناس يقدمون من كل حدب وصوب للإرشاد والتعليم، وقد أرشد الشيخ عبد الله الصابونابي كثيرا من المريدين وأصبح مسجده معلماً بارزاً في جميع أنحاء السودان، بل في خارجه، وجاء بعده ابنه الأكبر الشيخ المصطفى، فأنشأ بها مسجداً وخلاوي لتدريس القرآن الكريم، وقد سار على نهج والده الشهيد فأرشد عدداً كبيراً من أبناء المسلمين في تلك المنطقة، وقد حفظ عدد كبير من الطلبة القرآن الكريم، وما زال الناس يتذاكرون ما قدمه في سبيل الدعوة ونشر الثقافة الإسلامية حتى انتقل إلى جوار ربه في عام 1311 من الهجرة، وقد تولى الخلافة بعده ابن أخيه الشيخ أحمد الصابونابي، فكان الشيخ أحمد مشهوداً له بالقناعة والزهد، وكان تقياً ومتفانياً في حب ربه، وكان الشيخ أحمد الصابونابي يميل دائماً إلى التواضع والعفة، فمسجده كان عامراً بالطلبة والزائرين وحلقات الذكر، وكان الحكام البريطانيون، الذين يسيّرون دفة الحكم في السودان آنذاك، يزورون مسجد الشيخ الصابونابي للاستفادة من آرائه ونصائحه الصائبة، ولم يزل الشيخ أحمد يسلك نهج طريق التصوف بكل صدقٍ وعزم إلى أن توفاه الله، وقد دفن بالقرب من مسجده، وتولى الخلافة من بعده ابنه الأكبر الشيخ محمد الصابونابي، فكان خير خلف لخير سلف، وسار علي درب أجداده لنشر طريق التصوف في تلك المنطقة حتى استفاد من ذلك العديد من الناس، وقد ألف الشيخ محمد الصابونابي العديد من المدائح النبوية التي لم يزل يتداولها الناس وتتناولها وسائل الإعلام كالإذاعة والتلفزيون، كما ألف كتباً في التوحيد والمواريث، ومازال حريصا على نشر طريق القوم، وقد توسعت إدارة المسجد في الوقت الحالي وأصبح له زوايا عديدة ومنتشرة في مدن وقرى متعددة، ويشرف على تلك الزوايا الشيخ الهادي الصابونابي شيخ الإرشاد شقيق الخليفة الشيخ محمد، وقد كرس جهده لتدعيم تلك الزوايا بكل ما يلزم من كتب ومقالات ومواعظ، وقد نهضت هذه الزوايا نهضة طيبة وبدأ الناس يلتفون حولها، وقد أرسل الشيخ الهادي وفوداً إلى بعض المناطق التي كانت تسيطر عليها الوثنية وخاصة قبائل الأنقسنا، وبحمد الله استجاب الوثنيون إلى إرشاداته فأصبحوا يدخلون في دين الله أفواجا وما تزال الجهود تبذل لتغطية هذه المنطقة لنشر الدعوة الإسلامية. تعرفت على المقدم، حسب رتبة الصوفية، الشيخ الطاهر سرور، من بوبق، وهو أول من أسلم من جبال الانقسنا عام 1954 ويحكي أنه حلم ذات يوم ورأى الشيخ محمد الصابونابي في رؤيا، وقال إن محمد الصابونابي سأله: (إنت منو)؟ فقال له: (الطاهر سرور) فقال: (انت البتذبح الناس)؟ فقال الطاهر: عندها خفت وغيرت اسمي إلى (محمد)، وبعد ذلك مرضت وذهبت الى قرية الصابونابي بالبحر وعالجني وأعطاني كلمة أعالج بها، فكان كلما ذهبنا إلى قرية الصابونابي يزيد المسلمون حتى أصبحوا اكثر من أربعة آلاف مسلم مريد. وكان الصابونابي صاحب أدب وقصائد نبوية، ومن بليغ نظمة المدح الذي تخلو حروفه من النقاط، وأيضا تستطيع أن تقرأ بعجز البيت ثم شطره، كما توجد قصيدة كل حروفها بالنقاط.