{ ولاية نهر النيل، ولاية النخيل والتاريخ والبطولات، استكان بعضهم، بوعي أو بغير وعي لا أدري، لوضعها إلى ما لا نهاية بين هلالي «تعتبر ولاية نهر النيل من أفقر الولايات»، لتظل هذه الولاية الشاهقة المعطاءة «صاحبة يد سُفلى» تسأل المركز دائماً وتلح بالسؤال للحكومة الاتحادية أعطوها أو منعوها، وبالأحرى أن الفقر الحقيقي هو فقر أخيلة ومشاعر من أطلق هذه العبارة ورعاها وجعلها تلتصق بولاية تمتلك كل مقومات النهضة والبناء والتنمية، بعض الأفندية ممن فقدوا «فضيلة الإبداع» وحُرموا نعمة الأخيلة ممن ذهبت عقولهم في إجازة مفتوحة، كانت غاية جهدهم عملية تغطية عجز الفصل الأول، حكومات تسيير الأفندية، أو «أفندية تسيير الحكومات»، وما دروا أن العجز الحقيقي يكمن في طرح مشروع فكري تنموي تكون له المقدرة على اختراق هذه الحالة الاستكانية، وولاية نهر النيل يومئذٍ تمتلك كل مقومات النهضة، فقط كانت تخذلها الإرادة، فمعظم الولاة الذين بعث بهم المركز إلى مدينة الدامر، عاصمة الولاية، وجدوا أنفسهم مستهلكين إلى الآخر ومنهكين في تغطية متطلبات الفصل الأول. { غير أنه من الإنصاف القول بأن هنالك بعض الإشراقات ظهرت بين الحين والآخر، فعلى الأقل فقد شهد عهد السيد غلام الدين عثمان بداية تدفق الاستثمارات الأجنبية، حيث شهد عهده وصول المستثمر السعودي الأشهر الراجحي إلى منطقة بربر لإقامة مشروع زراعي لإنتاج القمح، ثم وضع اللبنات الأولى لمشروعات الأسمنت، ثم وصل البروفيسور أحمد مجذوب إلى الدامر، خلفاً للدكتور غلام الدين عثمان، وهو يحمل أطروحات استثمارية طموحة، مستغلاً علاقاته المميزة مع بعض بيوتات الاستثمار والمال الخليجية، إلا أن المركز لم يصبر عليه طويلاً، ثم جيئ بسعادة الفريق الهادي عبد الله الذي يشهد عهده الآن مواسم الحصاد، لتصبح المعادلة كالآتي: السيد غلام الدين قام ببعض الغرس الطيب، كما اضطلع خلفه البروفيسور المجذوب بعمليات الرعاية والسقاية والانطلاق، واليوم يقطف سعادة الفريق الهادي ثمار تلك المشروعات بعد التهيئة الجيدة والتحضير لموسم الحصاد. { أريق قارورة عطر هذه المواقف والذكريات بين يدي زيارة السيد رئيس الجمهورية لولاية نهر النيل منتصف هذا الأسبوع، وذلك تحت عنوان «احتفالات الولاية بالعيد الخامس والخمسين لاستقلال السودان»، حيث تشهد الزيارة «حزمة افتتاحات» لمشروعات القمح والأسمنت وبعض المؤسسات. { رأيت أن أقول، يفترض أن نودع وإلى الأبد، وبين يدي هذه الزيارة الرئاسية المباركة، وعلى سفح عيد الاستقلال الشاهق، تلك العبارة اللئيمة والأليمة التي تقول إن ولاية نهر النيل تعتبر من أفقر الولايات. { فولاية نهر النيل الآن تذهب لإنتاج ستة ملايين طن أسمنت في العام، علماً بأن حاجة البلاد من هذه السلعة لا تتجاوز المليونين، كما دخل مشروع الراجحي الزراعي الى مرحلة الإنتاج الفعلية و... و... { وإذا علمتم أن ولاية نهر النيل تمتلك مصادر مياه معتبرة تتشكل من نهري النيل والعطبراوي والمياه الجوفية، فضلاً عن الأرض الخصبة والمناخ الجيّد لزراعة كثير من المحصولات، يُقرأ ذلك مع الأيدي العاملة المقتدرة، ومعدن الذهب الذي يتفجر كل يوم في منطقة جديدة من بيادرها، والحديد والمايكا والحجر الجيري، فضلاً عن الموقع الممتاز الذي يتوسط العاصمة والميناء وشبكات الطرق والكهرباء، وكل ذلك ملفوف «بسلفان الأمن الشفاف». { ولاية بهذه الإمكانات، يا فقراء الأخيلة والمشاعر، يمكن أن تكون مخرجاً لكل أزمات البلاد، الغذائية وتوفير العملات الدولارية. {مخرج: آخر مرة نشهد فيها محفلاً بولاية نهر النيل كان بدعوة من حكومة المجذوب المنصرفة، والآن نتهيأ لتلبية دعوة من مصنع أسمنت بربر لنشهد عمليات الإنتاج والافتتاح على يد السيد رئيس الجمهورية.