جرائم غامضة نجحت المباحث والتحقيقات الجنائية في كشفها، ساعدها في ذلك استفادتها من عمل الأدلة الجنائية ومعاملها ومختبراتها حتى فاقت الإدارة نظيراتها. مجهودات ومقدرات اعترف بها جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكي (F.B.I) عندما أوفد فريقاً للتحقيق في مقتل الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيل، وخلص الفريق الأمريكي إلى أن رجال المباحث في السودان قادرون على كشف الجريمة، ومن ثم كان التعاون والزيارات والاهتمام من الدولة بالمباحث التي فكت طلاسم قضايا عديدة شغلت الرأي العام.. فالحديث عن المباحث لا يحتاج إلى تقدمة فهو موجود على صدر الصحف يومياً، أما مديرها الجديد اللواء فتح الرحمن عثمان فيحتاج الحديث معه إلى الاجتهاد، فالرجل لا يتحدث كثيراً لإيمانه بأنه يؤدي واجباً يحتاج إلى العمل وليس الحديث، ولكن مع إصرارنا على كسر صمته كان له معنا هذا الحوار، كأول حوار صحفي لمدير المباحث الجديد بالصحافة السودانية. { بدءاً صف لنا طريقك إلى المباحث؟ - أنا لست غريباً على المباحث المركزية، فخلال عملي بالشرطة عملت فيها رئيساً لشعبة مباحث بحري، ثم رئيساً لقسم مباحث المطار، والشرطة الأمنية، فالمباحث المركزية مؤسسة أمنية تقوم على أسس وبنيات، كل مدير لها يصنع حقه في ذلك البنيان، وبذلك الفهم تطورت المباحث كثيراً. { وهل هناك اختلاف بين المباحث التي عملت بها سابقاً والمباحث الحالية؟ المباحث المركزية حالياً تختلف عن السابق فالآن أصبحت لديها أجهزة حديثة في كشف الجريمة، وأصبح لديها أفراد تم تدريبهم على آخر علوم اكتشاف الجريمة، بل أصبحت لديها تخصصات في مجالات التحقيق، شملت الجرائم المستحدثة وجرائم الفساد، وهذا التطور بالتأكيد كان واجباً لأن الجريمة نفسها تطورت عن السابق، فالجريمة في السابق كانت عادية وبوسائل معروفة لا تتعدى مجهودات (المجرم) الذاتية في السرقة، ولكن الآن جعلت العولمة معظمها يصب في اتجاه الانحراف، فتطور العالم أسهم في تطور الجريمة، وبالتالي تطورت الأجهزة الأمنية حتى لا تفقد زمام السيطرة على الوضع الأمني. { هل يعني ذلك أن هناك تطوراً في ارتكاب الجريمة؟ نحن لا نتحدث عن السودان فقط، فذلك هو الوضع السائد في كل دول العالم، والسودان واحد من هذه الدول التي تأثرت، نتيجة الحراك السكاني داخل السودان وهجرات ونزوح من مناطق كانت تشهد عمليات تمرد أو حراكا خارجيا لأعداد كبيرة من السودانيين هاجروا واختلطوا بشعوب أخرى وعادوا إلينا بثقافة جديدة، ثم وسائل الإعلام المرئي والقنوات الفضائية التي استوردت لنا أيضاً ثقافة تشكل في أعراف وتقاليد السودانيين جريمة وأيضاً يحرمها القانون. { وهل استطاعت المباحث أن توقف عمليات تطور الجريمة؟ نحن لا نملك عصا سحرية، وإنما إدارة شرطة لها واجبات دستورية وقانونية ودور شعبي ووقائي وواجب اكتشاف الجريمة، وبحمد الله نجحنا في كثير من الملفات الغامضة والحساسة، ما يجعلنا نفتخر بأن ليست هناك جريمة هزت المجتمع ولا يزال ملفها مفتوحاً، ونحن نقرأ يومياً في حوالي (25) صحيفة محلية إنجازاً لأفرادنا وضبطهم لشبكات إجرامية أو استردادهم لأموال مسروقة. { هل وصل السودان مرحلة الإجرام المنظم؟ الإجرام المنظم في السودان موجود ولكن ليس بالتنظيم المخيف، فلدينا جرائم في الحدود، وبعضها يرتكب من عصابات خارج السودان، ويمكن أن الكل يعرف قضية الشيخ الذي يتصل برقم هاتف من السنغال وأنه نجح في الاحتيال على مجموعة من المواطنين بالخرطوم، وهناك سودانيون ارتكبوا جرائم غسل أموال مع آخرين بالخارج، وعدد من الحوادث، ولكنها تبقى إجراماً من أو بوساطة مجموعات، وليس هناك تأسيس لإجرام، ويمكن أن الغالب الموجود هي جرائم الاشتراك في ارتكاب الجريمة. { ما هي مجهوداتكم في الحد من قضايا الفساد؟ الفساد في أي مجتمع موجود، ويحد منه بسن القوانين والتشريعات الرادعة والمراقبة الدقيقة من خلال المراجعة المالية والإدارية، والشرطة السودانية كان لها فكر متقدم في ذلك المجال عندما أنشأت شرطة خاصة للتحقيق في جرائم الفساد، وكذا أنشأت لها نيابة متخصصة، وقد نجحت الشرطة والنيابة في الحد كثيراً من جرائم الفساد التي تؤثر في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. { هل أمسكت المباحث بملفات للفساد وسط المؤسسات؟ نعم المباحث أمسكت بقضايا حققت فيها وأحالت مرتكبيها للمحاكمات، ولكن يجب مراعاة أن قضايا الفساد تقع داخل المؤسسات ومن موظفين يعملون فيها لذا ترد البلاغات من تلك الجهات وفي بعض المرات من معلوماتنا الخاصة، وعموماً إن مجرد الإحساس بأن هناك نيابة وشرطة لمكافحة الفساد يكفي لتخويف أعداد كبيرة من الموظفين والعاملين الذين كان يمكن أن يرتكبوا مثل هذه الجرائم. { هناك جرائم أسهمت في تطورها شبكة الإنترنت أو ما تعرف بالجريمة الإلكترونية. جرائم المعلوماتية نتاج طبيعي لتطور الحياة واكتشاف التقنيات الحديثة، وهي اكتشافات تمت لصالح البشرية ولكن البعض استفاد منها لأذى البشرية للقيام بعمليات التزوير أو لفضح الفتيات على (الفيس بوك) أو لاختراق المواقع الإلكترونية للمؤسسات العامة والخاصة والمواقع الشخصية وتدمير المعلومات الواردة أو الاحتيال بتحويل أرصدة من بنك إلى آخر أو من حساب شخص إلى آخر، والمباحث سبقت جرائم المعلوماتية بتخصيص دائرة أسندت إليها مهمة مكافحة تلك الجريمة والتحقيق فيها وعملت على تدريب أفرادها للتعامل مع تلك التقنيات وطرق أمن الإنترنت ونجحت في ضبط أعداد كبيرة منهم ومعظمهم من طلاب تقنيات المعلومات وأيضاً نجحنا في القبض على أجانب حاولوا الاحتيال على مواطنين بجوائز وهمية والمباحث حالياً تعمل بكفاءة عالية ومقدرات وفرتها لها وزارة الداخلية ورئاسة الشرطة. { قمتم بمداهمات على تجار السوق السوداء، ما نتائجها؟ شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعاً في أسعار السلع وحراكاً في السوق جاء نتيجة العودة الطوعية لأبناء جنوب السودان الذين بدأوا في شراء كميات من السكر والدقيق وبقية المواد التموينية فأصاب ذلك المواطنين بالهلع بأن ثمة اضطرابات قد تحدث وذلك شجع التجار على احتكار تلك السلع في مخازنهم وعدم عرضها إطلاقاً وهذا النوع من الاحتكار تحاربه المباحث المركزية التي تعمل بتنسيق مع الأمن الاقتصادي ومنظمات حماية المستهلك، فطمع التجار دعانا إلى تنفيذ مداهمات عليهم قبضنا من خلالها على عدد منهم وتم الإفراج عن السلع التي احتكروها وأنا هنا أقولها بصدق (لن نرحم من يلعب أو يتلاعب بقوت الشعب)، وأن حملاتنا ستتواصل على طمع التجار الذين يخزنون السلع ولا يعرضونها للبيع خاصة بعد أن أثبتت الحملات الأخيرة مفعولها في استقرار بعض السلع التي شهدت ارتفاعاً. { يلاحظ تعدد جرائم خدم المنازل في شكل سرقات أو اختطاف، ما هي مجهوداتكم للحد من هذه الجرائم؟ نحن نقول في بعض المرات قد يكون المواطن الجاني على نفسه خاصةً في ما يتعلق بخدم المنازل، هناك قانون يحدد ذلك الاستخدام وتسجيل يضمن للطرفين حقهما ولكن في كثير من قضايا السرقة تجد أن المواطن قد استخدم فتاة لأعمال النظافة ولا يعرف حتى اسمها كاملاً ناهيك عن عنوانها فالمواطنون في العادة يتراخون في تأمين ممتلكاتهم وضعف ثقافة الودائع البنكية للممتلكات الثمينة والشرطة ظلت تنبه إلى ذلك على الدوام لكن المواطن لا يتقيد بتلك التنبيهات. { هناك خطة عامة للشرطة لجمع وحصر السلاح غير القانوني ما هو الدور الذي قدمته المباحث في إطار الخطة الشاملة لجمع السلاح غير القانوني؟ المباحث والتحقيقات الجنائية تعمل في جمع السلاح من خلال الخطة العامة لوزارة الداخلية ورئاسة الشرطة والظروف التي شهدها السودان من مشاكل حدودية وتمرد بعدد من الأقاليم واتفاقيات سلام جاءت بمجموعات مسلحة إلى العاصمة كل ذلك جعل هناك انتشاراً للأسلحة بين أيدي المواطنين عن طريق الهاربين وفي الولايات التي شهدت حركات متمردة هناك عمل بين ولاة الولايات والمنظمات الدولية العاملة في مجال الدمج والتسريح وفي الخرطوم قامت الشرطة بحملات واسعة يمكن أن نقول إنها قضت على المجموعات المسلحة وما بقي من سلاح حالياً عبارة عن قطع في أيدي مواطنين حصلوا عليها بصورة غير مشروعة لحماية أنفسهم وممتلكاتهم ونحن لدينا أتيام الميدان تتابع معلوماتها للقبض على مثل هؤلاء. { تحدثت المباحث عن مشروع مباحث الظل، نريد تنويراً عن هذا المشروع وأهدافه. الشرطة حريصة على تطبيق «الأمن مسؤولية الجميع» وأي جهاز شرطة في الدنيا لا يستطيع أن يوفر الحماية لكل شخص وفي أي وقت والشرطة مهما أوتيت من قوة لا تستطيع وحدها أن تكمل رسالتها وواجبها ويبقى أن تعاون المجتمع مع الشرطة ضروري جداً لذا تعمل الشرطة على رفع الثقافة الأمنية لدى المواطن واستصحبته معها من خلال مشروع الشرطة الشعبية والشرطة المجتمعية واللجان المجتمعية في عمل تطوعي ومشروع مباحث الظل لا يخرج عن تلك المجهودات التي تهدف إلى إشراك المواطن في تحقيق الأمن ونحن ما يهمنا في المقام الأول المعلومة فقط وكذا الرقم المجاني. { أي أين وصلت مجهودات المباحث للقبض على الفارين من تنفيذ حكم الإعدام على قتلة غرانفيل؟ هناك لجنة مكونة لمتابعة المجموعة الهاربة من حكم الإعدام شنقاً حتى الموت في قضية اغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيل، وترد إليها معلومات من وقت إلى آخر، ونحن دورنا التأكد من تلك المعلومات، عموماً فريق المباحث يواصل عمله والعمل في المباحث لا ينتهي إطلاقاً، وهناك لجان تعمل في الخرطوموالولايات لمتابعة الهاربين وينطبق ذلك أيضاً على الهارب من السجن (آدم عبدالله). { ما هي خطتكم لمزيد من التطور بالمباحث المركزية؟ لدينا خطة للتدريب داخل وخارج السودان وفي تخصصات نحتاج إليها لاكتساب المزيد من السرعة في اكتشاف الجريمة بجانب توفير المعينات اللازمة لإكمال تلك المشروعات، وكما قلت إن العمل في المباحث لا ينتهي وكل واحد يضع بصماته عليه ويذهب ليتركه لخلفه والحمد لله أن الشرطة نجحت في العام 2010م في خفض معدلات الجريمة وبصورة كبيرة جداً وكل ذلك نتيجة الانتشار الواسع والإمكانيات التي وفرتها الدولة للشرطة لتأمين الانتخابات والاستفتاء.