الوجود الصيني في القارة الأفريقية أصبح شيئاً واضحاً وملموساً للجميع ويثير قلق البعض وحسد البعض الآخر، خاصة أن الصينيين يقابلون في الدول الأفريقية بترحيب كبير من شعوبها، هذه الشعوب التي قاست ويلات المستعمر الغربي سنوات طويلة وجدت من الصين القادمة من الشرق أساليب أخرى في التعامل تقوم على الاحترام والمصالح المتبادلة والتنمية، وهي أشياء لم يكن لها وجود مع المستعمر الغربي في أفريقيا. وذكرت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية أن بعثة صينية كينية مشتركة للتنقيب عن الآثار عَثرت مؤخراً على قطعة نقدية غاية في الأهمية بالنسبة للصين. ذلك أن الصينيين يَسعوْن جاهدين للحصول على آثار تُثْبت الوجودَ الصينيَّ في أفريقيا الشرقية إبان العصور الوسطى. وتبين أن هذه القطعة النقدية موضع الحديث صُكت في بداية القرن الخامس عشر. الأمر الذي يثبت أن الصينيين وصلوا إلى شرقي أفريقيا قبل أن يصلها البرتغالي فاسكو دي غاما سنة ألف وأربعمائة وتسعة وتسعين، بفترة طويلة. ويجمع علماء الآثار على أن تلك القطع النقدية، تركها الفتى «تشين خي» ذو الأصول المسلمة الذي أصبح واحداً من أكبر مالكي السفن في ذلك الزمن. ولقد قاد «تشين خي» سبعَ رحلات في المحيط الهندي ضمت مئاتِ السفن، ووصلت إلى الهند والشرق الأوسط وأفريقيا. ويعتقد بعضُ المؤرخين أن «تشين خي» وصل مرتين على الأقل إلى أفريقيا. وتشير المعلومات إلى أن صيادين كينيين كانوا قبل عدة أعوام قد عثروا على مزهريات صينية تعود إلى القرن الخامس عشر بالقرب من ميناء لامو الكيني. وفي ذلك الحين فسر الصينيون ذلك بأن إحدى سفن «تشين خي» غرقت في مياه المحيط ووصل البحارة إلى الشواطئ الأفريقية وتزوجوا من فتيات محليات وعلموا الأفارقة الصيد والزراعة. وقد بلغت الإثارة من الصينيين كل مبلغ لدرجة أنهم أجروا فحوصات على الحمض النووي لبعض سكان مدينة لامو واتضح وجود موروثات صينية في أنسجة بعض هؤلاء. وتشير الصحيفة إلى أن أعمال التنقيب في كينيا لا تحمل بالنسبة للصينيين أهمية أكاديمية فقط، بل واهتماماً عملياً كبيراً. ذلك أن التمدد الاقتصادي الصيني في القارة السمراء يتنامى عاماً بعد عام. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين ودول القارة الأفريقية خلال الأعوام العشرة الماضية فقط عشرة أضعاف ووصل إلى مائة وعشرة مليارات دولار في العام. وأصبحت الصين أكبر مستورد للموارد المعدنية الأفريقية. كما أن الصين تضخ استثمارات واسعة النطاق في أفريقيا، وتشتري وتستأجر الأراضي الزراعية. ويرى الخبراء أن للتنقيب عن الآثار في القارة السمراء فوائد واضحة. فقد أكد رئيس بعثة التنقيب البروفيسور «تسين دا شو» أن القطع النقدية التي عُثر على واحدة منها في كينيا كانت تستخدم فقط من قبل مبعوثي الإمبراطور الصيني، وفقط بمثابة هدايا إمبراطورية للحكام الأجانب. وبهذا الصدد تنقل الصحيفة عن زميل «تسين» في التنقيب عالم الآثار الكيني الشهير «هيرمان كيرياما» أن الصينيين كما يتضح كانوا يتعاملون مع الأفارقة بطريقة تختلف عن الطريقة الأوروبية. ذلك أن قدوم الصينيين محملين بالهدايا من الإمبراطور، يعني أنهم كانوا يتعاملون مع الأفارقة كأنداد خلافاً لما كان يفعله الأوروبيون. وتلاحظ الصحيفة في الختام أن الصين تقدم الكثير من المنح الدراسية للطلاب الأفارقة، مراهَنة منها على أنهم سيصبحون من النخبة الحاكمة في بلادهم في المستقبل. ولقد بلغ عدد الطلاب الأفارقة في الصين العام المنصرم، مائة وعشرين ألف طالب يدرس غالبيتهم على نفقة الحكومة الصينية.