تظل الزراعة كنشاط اقتصادي حيوي وفاعل ومتطور حقيقة راسخة تؤكدها الأيام والسنوات، وتثبتها التجارب والخبرات البشرية، وتتمدد جذور الزراعة في تربة المجتمع بما توفره من فرص عمل ونشاط إنتاجي تنموي، وتداخل اجتماعي ومصاهرات وما إلى ذلك، فضلاً عن العمق الأمني للزراعة بما تحققه عملياتها ومنتجاتها من استقرار اجتماعي ونمو بشري، وإسهامها في فتح أعمال تجارية وأسواق تتفرع من المنتجات الزراعية وصناعاتها. وفي هذا السياق تتسابق الدول التي تخطط جيداً لمستقبل شعوبها إلى البحث عن أراضٍ تستخدمها كأحزمة أمان للزراعة، حتى لو لم تكن مجدية على المستوى التجاري «الربحي»، وقد نقلت وكالة «رويترز» أمس عن مسؤولين زراعيين من الدول العربية أن دول الشرق الأوسط تعتزم عقد مجموعة جديدة من الاتفاقات لتأجير الأراضي الزراعية في الخارج وذلك على الرغم من تراجع أسعار القمح العالمية. وذكرت «رويترز»: في ظل ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب إلى مستويات قياسية في العام 2008 أصبحت الأراضي الزراعية في البلدان النامية هدفاً خاصة للدول المنتجة للطاقة في الشرق الأوسط التي تمتلك احتياطيات نقدية كبيرة ومساحات صغيرة من الأراضي الصالحة للزراعة. ومن اللافت في هذا السياق أن الأسعار العالمية للحبوب سلكت اتجاهاً نزولياً بسبب وفرة المعروض وهو تغير من شأنه أن يسهل عملية استيراد الحبوب وأن يخفض العائد على الاستثمار من تأجير الأراضي الزراعية، وبالتالي يكون الاستثمار في الزراعة ضعيف الجدوى من ناحية تحقيق أرباح. غير أن وزير الزراعة السعودي فهد عبد الرحمن بالغنيم قال ل»رويترز» أمس إن بعض المزارعين السعوديين من القطاع الخاص بدأوا الاستثمار في مصر والسودان. وخلال العام الماضي سلكت ليبيا اتجاه تأجير الأراضي الزراعية عندما وقعت اتفاقاً لاستئجار أرض مساحتها (100) ألف هكتار في أوكرانيا، إضافة إلى استثمارات ليبية سابقة في مالي والسودان. في المحصلة يتجاوز الاستثمار في الزراعة الأهداف الاستثمارية المتعارف عليها، ويدخل في إطار الأمن القومي لأي بلد في العالم، وفي بلادنا تمثل الزراعة نسبة تتجاوز ال(70%) من قوة العمل الإنتاجية بين المواطنين، لكنها تحظى باهتمام وتمويل أقل بكثير عما تستحقه على الرغم من توافر الاحتياطات النقدية التي يوفرها إنتاج النفط في البلاد، فضلاً عن أموال الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لكننا نفشل دوماً وفي كل مرة في تسويق إمكانياتنا الزراعية الهائلة التي تضعنا في مقدمة البلدان المماثلة. ونحن على أعتاب الموسم الزراعي مع اقتراب فصل الخريف بالنسبة للزراعة التقليدية، وعلى المخططين الاقتصاديين – إن كان هناك مخططون اقتصاديون – أن يضعوا الخطط المعينة لتمويل الأنشطة الزراعية التقليدية التي تفتقر، وفي كل عام، إلى التمويل المرن الذي يراعي ظروف الزراعة التقليدية التي تعتمد أساساً على نجاح موسم الأمطار، وفي ذلك تجارة وأرباح وأمن وحراك اجتماعي ورد لبعض الجميل لمن ظلوا ينتظرون التقدير لعقود مديدة وما زالوا.