«إن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يبدو فعله غير مضمون والذي يتردد ويتحسس ويتعثر والذي يضع مشروعات يقترن بها أمل النجاح وخشية الفشل، والإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يشعر بأنه معرض للمرض والذي يعرف كذلك أنه لا محالة ذائق الموت». (برجسون) ولكن ما هو أقرب حيوان للإنسان؟ كثير ما يغضب الإنسان عندما يطلق عليه اسم حيوان، ويكون نتيجة ذلك أحياناً ما يؤدي إلى القتل أو الشجار أو القطيعة الكاملة (يا حيوان إنت حيوان؟) بيد أننا نعرف جميعاً بأن الإنسان قد عُرف بأنه حيوان ناطق أو حيوان متدين أو حيوان ميتافيزيقي ومنهم من رسم له صورة قاتمة فقالوا إنه ذئب لأخيه الإنسان أو أنه حيوان مفترس وعند أصحاب نظرية الخطيئة الأولى أنه مخلوق ساقط بهيمي تعميه شهوته الدنيئة بحيث أنه لولا خوفه من نار جهنم واحترامه لسلطة المجتمع لأقدم على ارتكاب أدنى الموبقات ولم يتورع عن إتيان أحط الجرائم، لكنه هو الحيوان الوحيد الذي يتمتع بنعمة العقل والذكاء وإذا كان الإنسان قد اضطرته الظروف بأن يغطي دوافعه الطبيعية بطبقة سميكة من الخداع والرياء والاحتيال بأدائه التمثيلي في الحياة؛ فإن كثيراً من علماء النفس رجعوا إلى السلوك الحيواني ليقارنوا بينه والسلوك الإنساني. يرى بعض المفكرين أن الطبيعة البشرية إنما تنكشف على حقيقتها في صورتها البدائية وبالرجوع إلى علم النفس الحيواني الذي يميط اللثام عن الكثير من خبايا السلوك البشري على نحو ما تتجلى في المملكة الحيوانية، أقرب حيوانات للإنسان هي القرود، تلك الموجودات التي يمكن أن تكون مفتاح السلوك الإنسان «البشري»، وعلم النفس الحيواني. والقردة حيوانات تعد في المقدمة بين جماعات الحيوانات القطعية التي تمتلك غريزة القطيع فتعيش في جماعات وتكون لنفسها أُسراً وعائلات كالإنسان واستطاعت أن تخرج من معركة تنازع البقاء ظافرة منتصرة على تلك الحيوانات المتوحشة، فهي لا تميل إلى التوحد بل تجنح دائماً الى الاتحاد والتجمع السلمي، تتمتع بالذكاء وخفة الدم فكل فرد من القرود يعبِّر عن ذاته في نماذج خاصة به ومع تلك البيئة الجمعية على طريقته بشكل خاص فوجود السلوك الاجتماعي في علاقة مزدوجة قوامها الآخر والعطاء والتأثر والتأثير. والإنسان حيوان اجتماعي بفطرته، هذا الحيوان القوي الذي استطاع أن يقهر سائر الأجناس الحيوانية الأخرى. يحاكي القرد الإنسان، ويحاكي الإنسان القرد، وفي التشبيه (بالله يحاكي زي القرد بالله ينطط زي القرد)، هذا التشبيه نظراً لارتباطه بالسلوك الإنساني. يحب الإنسان تلك المخلوقات القريبة الشبه منه كحيوانات يمكن أن تكون أليفة يستفاد منها في مجالات فنية متعددة لشدة ذكائها فتقدم عروضاً استعراضية بالفطرة في حدائق الحيوان فتجذب كثيراً من المشاهدين وخاصة الأطفال وتستخدم في السيرك بتقديم عروض استعراضية درامية كما تستخدم في مسرح الشارع لجذب كثير من المارة بتوجيه من مخرج العمل. وهنا لا تقتصر مظاهر العرض على كل ما يخالف أو يتناقض مع جوهر الحقيقة بل تتنوع العروض وتتفرع مع سلوكيات التظاهر والخداع واللعب المشوق. والقرد يسعى إلى تجسيد المواقف التي تثير الإضحاك بلا أقنعة تلك التي يستخدمها الإنسان كأقنعة سلوكية لتمثيل دوره في الحياة حيث يضطره المجتمع وتقاليده وضغوطه إلى النفاق الاجتماعي بهدف تحقيق أهدافه بأسله الأساليب وتجنب كل المتاعب والعقبات الممكنة. يستمتع الإنسان بمشاهدة دراما القردة بأدائها الكوميدي وأزيائها المرحة التي تصب كلها في إطار من الضحك والمرح وهذا لا يخرج من هدف أرسطو وهو تطهير النفس نتيجة لما يعرض أمامها من تعرية لأنماط هو حتماً واحداً منها كمخلوق ولكن هل يمكن أن نعرف سايكولوجية القردة؟ عموماً تقول الحكمة: (يا جمال القردة يا جمالا) (والقرد عند أمو غزالة). ولنا لقاء،،