{ في إحدى زيارتهما إلى منزل المهندس الصافي جعفر، ضلّ السيد الرئيس والفريق عبدالرحيم محمد حسين طريقهما، وطفقا يهيمان على وجوههما بمدينة الفردوس بالخرطوم، ولكن لم يكن بمقدورهما أن يسألا أحد المواطنين، وأخيراً تمكن الشيخ الصافي عبر الهاتف من أن يرسم لهما خارطة طريق إلى منزله، وكان الرجلان، الرئيس ونائبه، يقومان بواجب عيادة المريض المهندس الصافي بعد عودته من عملية «قلب مفتوح» بالمملكة العربية السعودية، والشيء بالشيء يذكر، فكان «صاحب الملاذات» عليه من الله الرضوان، أمس الأول يهيم على وجهه بحي الرياضبالخرطوم يبحث عن منزل الأستاذ علي عثمان نائب الرئيس، هكذا دفعة واحدة، ولم يكن بمقدوري أن أسأل أحد المواطنين، وأخيراً اهتديت إلى أن أسأل أحد رجال الشرطة الذي قام بدوره بإرشادي إلى منزل السيد النائب، والرجل الأول في الحركة الاسلامية والثاني في الدولة والحزب، والانفصال واقع لا محالة، بالكاد يسكن وسط الجماهير، وكل قصور الرؤساء في الدنيا تُصرف حركة المرور عنها مسيرة كيلومترات، فالرجل يسكن بيتاً عادياً ووسط الجماهير، هكذا يتصالح قادتنا وكبراؤنا مع الجماهير. { ومن المقرر أن يلتئم في بيت السيد النائب شمل بعض الصحفيين والإعلاميين مع السيد الوالي الدكتور عبدالرحمن الخضر وبعض أعضاء حكومته لاصطحاب السيد النائب في «جولة زراعية» لبعض المشروعات بمحلية شرق النيل، ولم يمض على وصولنا بضع دقائق حتى اكتمل توافد كل المستهدفين في هذه الرحلة، وكان من بين الحضور المهندس صديق وزير الزراعة ونائب السيد الوالي، عريس هذا المحفل، ودكتور فيصل وزير الثروة الحيوانية. { ثم يخرج إلينا الأستاذ علي عثمان محمد طه بزي السبعينيات (قميص مخطط وبنطلون بيجي)، وإذا أردت أن تتعرف على حالة البلد، والعالم من حولنا يثور كالبركان، فعليك أن تقرأ جيداً الحالة التي عليها شيخ علي.. وأظنه الأستاذ حسين خوجلي الذي قال يوماً «يقلقني علي عثمان إذا تحدث بصوت عال، ويخيفني إذا لاذ بالصمت.. يقلقني صمت علي عثمان»، لكن الأستاذ علي عثمان أمس الأول في الحالة الوسط، ما بين الصمت والكلام، الحالة الطبيعية، ومن ثم استقبلتنا حافلة سياحية باتجاه شرق النيل تتقدمنا سيارة شرطة، السيد النائب على بص سياحي مع بضعة إعلاميين إلى جانب وفد من حكومة السيد الخضر. { قدم لنا السيد وزير الزراعة بعض الشروحات على متن البص ونحن في الطريق إلى مشروع السليت، وما زلت أعتقد أن هذا الرجل البطحاني يعد مكسباً كبيراً لحكومة السيد الخضر، فهو يعيد لحكومة الولاية وزنتها «القبلية والزراعية والهندسية» وذلك لكونه يعرف تعقيدات هذه المنطقة، فضلاً عن وهادها وأوديتها وتلالها، فعلى الأقل أن هذه المشروعات تقام على سفح مملكة البطاحين بين عد بابكر وأبودليق. { وأعظم دروس هذه الرحلة أننا قد وقفنا على مشاركة القطاع الخاص في الشأن الزراعي والحيواني، فواحدة من أزماتنا المرحلة الاعتقاد بأن الحكومة يجب أن تفعل كل الأشياء، وأن ثقافة إضعاف القطاع الخاص هي مكسب للحكومة، فالشاهد أن الحكومات عليها تهيئة الأمكنة والسبل والوسائل، ثم تحريض القطاع الخاص، ثم بعد ذلك تكتفي بقليل من الضرائب والعشور، وعليها بعد ذلك أن تنتظر ثمرات هذا الغرس التي تتمثل في استيعاب الخريجين وغير الخريجين، فضلاً عن رفد أسواق الولاية بالألبان والخضر والفاكهة واللحوم. { قامت ولاية الخرطوم بإعداد ثلاثمائة وخمسين حظيرة حيوان، تسع كل حظيرة ما بين خمسين وستين بقرة، ثم أعطتها المربين بأسعار زهيدة لا تذكر، ثم هيأت الموقع تماماً لازدهار تربية الأبقار والماعز المهجن، فضلاً عن احتشاد الموقع بالخدمات البيطرية والإرشادات والمعينات، ونرجو أن نحدثكم في المرة القادمة بإذنه تعالى عن ثقافة المزارع المحمية وغير المحمية وعن المنتجعات والمسطحات الخضراء..