{ كسلحفاة هرمة، طافت كاميرا أستديو الأخبار بتلفزيون السودان، مساء الأحد الماضي، لتروي لنا قصة الأستديو الجديد الوسيع وملون ومضيء، كإشارة مرسلة بأن الإدارة هناك تقوم بعملها على ألمع وجه وأكمل صورة وأفضل حركة. { والحركة الدائرية التي قامت بها الكاميرا كانت أول تقنية حديثة وحصرية لتلفزيون السودان وحده، يقوم بها مصور أخبار بكاميرا داخلية بأن يدور نصف دائرة كاملة داخل فضاء أستديو، ثم تستقر على وجوه مذيعي النشرة الذين لم يدروا تماماً وقت وقوفها على وجوههم ليقولوا بسم الله الرحمن الرحيم، لا كما قلناها نحن خالصي الدهشة والاستغراب بسؤال طبيعي جداً: لماذا يقوم مصور محترف بتنفيذ حركة (بوبارية) لإداري يريد أن يخبر حزبه الرافض أو جهات تعنيه، بأنه يعمل إذن هو محبوب!. { ليس كتطاول من المصور على أمر إداري قد يرميه لاحقاً في تهلكة المجالس التأديبية أو الاستقطاعات إنما لأن خبرة المصور داخل الأستديو بكاميرا الأخبار الضخمة لا يستهان بها أبداً، ولا يمكن لأي مصور أن يصبح مصور أستديو أخبار ولو ملك من الموهبة ما تخوله لالتقاط حركة تحولات النجوم، فالتحكم في كاميرا الأخبار يحتاج إلى الخبرة والهندسة وفي ذات الوقت القدرة العالية على الانتباه، للانتقال من زاوية إلى أخرى بحسب المشهد الإخباري بحنكة لا تسقط عدسة عين المشاهد في حجره من حدة الحركة وببساطة تشعرك أنك أنت من تحركت عينك أو عنقك لا الكاميرا! لهذا فإن معظم مصوريها هم خبراء في عالمهم العريض، مما يلزمني بالوقوف حتى الآن من أنه كيف تمكن من أداء هذا الارتجال الدائري داخل أستديو الأخبار الرئيسة وفي وجود مذيع كبير وخبير (عمر الجزلي) تسانده هيام الطاهر جعلته تلك الحركة يتلعثم مستغرباً طبعاً ويبدأ مبتدراً زمن النشرة: (بأيُّها الإخوة) فظن الجميع أن للأمر علاقة بمظاهرات نهار الثلاثين وأن هناك بياناً رسمياً لا يفيد إلا صوت (الجزلي) قراءته! { إن القراءة سلبية لتلك الحركة الدائرية، ولو بحسن نية التقدير لمهندسي الديكور والإضاءة والصوت الذين برعوا في إبراز العمل الجديد لأستديو الأخبار بجانب أستديوهات كثيرة في التلفزيون أجريت عليها تحسينات لتواكب التطور الإعلامي في الديكور الداخلي للأستديوهات؛ ،سالبة من عدة نواحٍ: أولها أن السمعة الملازمة لإدارة التلفزيون من حيث استحقاقات واستقطاعات ومحاباة وفساد إداري لن يتم مسحها باستيكة الكاميرا الدائرة على الحقيقة حتى على مستوى الخبر حيث أن أخبارنا تترفع عن الأحداث الداخلية السياسية وتنقل أخبار الأمل فقط التي تخص الحزب الحاكم ! وآخرها إلقاء المزيد من الضوء بضيوف بعيدين عن الضوء والإلقاء والزيادة! { زد عليه أنه لا أحد يحب أن يكون شخصية النمر الهرم المتكوم تحت شجرة قاصية تتلاعب به القرود بصفقات وصيحات من الأعلى، لكن بالتأكيد لن نكره أن نكون قرداً من تلك القرود ما دامت صلة الشماتة موجودة جينياً بالقرابة ! ففكرة أن التلفزيون القومي يريد ذاك النمر الهرم باتت ثابتة ومثبتة يرقد مستسلماً للريح تداعب خياله بما تبقت له من ذاكرة يستحضر بها أوان كان سيداً مخيفاً تهابه القرود والأسود، فيشرع التلفزيون لا النمر طبعاً بما تبقى له من ذكاء في لملمة تلك الذكريات النافعة وعظيمة ومفيدة ليخلق منها قناة (زمان) تكون هي حاضره وتميمة حظه وإنقاذه من فخ الديون القاتل الواقع فيه بجانب فخ الكوادر البشرية المفضلة بحسب الولاء لا الكفاءة، وبما أنه نحن أمة نسكن في خلايا الذاكرة، ونتمدد في سرائر الحنين داخل غرف ماضي الذكريات، لهذا من البدهي أن نتحول بتردداتنا وترددنا على زمان يعيد لنا صورة وصوت التلفزيون قومي وقت كان يخص كل السودان، ومكاناً يحلم كل موهوب عموم الموهبة أن يدخله آمناً في عمله ومؤمناً بعمله في حصوله على الثروة والشهرة والخبرة. ومصورون يبتعثون لنقل خبراتهم لتلفزيونات العالم العربي الجديدة وقت كانت كاميراته تواجه بعدساتها الحقيقة الخبرية والإخبارية لا تدور ثم تدور ثم تعود لتسكن في فراغ المكان والآن! { أما الآن فقد وجب علينا ولكافة الأحداث الناجحة للتلفزيون القومي بدءاً من امتياز حركة الدوران والأستديو الجديد وفوزه علينا في جولة الشماتة كقرود تتنطط في شجرة، واستقالة مالك الحزين والبث الجديد لتلفزيون زمان.. وبلا شك انفصال جنوب السودان أن نقول له: مبروك!