حملت الأنباء صباح أمس (الأربعاء) خبر مقتل وزير التعاون والتنمية الريفية في حكومة جنوب السودان «جيمي ليمي ميلا» بالرصاص، مع مرافقه، كما أعلن متحدث باسم جيش الجنوب أنه في ما يبدو خلاف شخصي. وصرح فيليب أقوير لوكالة فرانس برس: «لقد حصل إطلاق نار في مجمع الوزارات وقتل فيه وزير التعاون والتنمية الريفية وكذلك مرافقه». وأضاف: «يعتقد أن الرجل المسؤول عن إطلاق النار كان سائق الوزير وقتل نفسه»، وتابع أنه لم يتضح سبب إطلاق النار. وأوضح المتحدث: «كلهم من الإثنية نفسها وقد يكون الأمر مسألة شخصية». وانضم ميلا، المنتمي إلى قبيلة الباريا، إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان لدى توقيع الخرطوم والمتمردين الجنوبيين اتفاق سلام في 2005. وقد عين وزيراً العام الماضي بعد وفاة وزير الزراعة الجنوبي والمسؤول الكبير في حركة تحرير جنوب السودان سامسون كواجي. كواجي الذي توفي بعد ستة أشهر من انتخابات أبريل الماضي، حلت محله نائب الأمين العام لحركة تحرير جنوب السودان؛ آن إيتو. وتلقي جريمة الأمس ظلالاً على أجواء الفرح التي أشاعها منتصف الأسبوع الإعلان الرسمي للنتائج النهائية للمصير، التي قضت باستقلال الإقليم. واعتبر المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان، أن «الوضع بات هادئاً.. لكنه يوم حزين جداً لشعب جنوب السودان». يذكر أن وزير التعاون والتنمية الريفية المغدور به جيمي ليمي ميلا المولود بالاستوائية في أغسطس من العام 1948 قد حاز على بكالوريوس الآداب من جامعة ماكيريري بأوغندا في العام 1973، ثم دبلوم طيران من أديس أبابا، في 1976، بالإضافة إلى شهادة في الإعلام الجماهيري من كلية الإعلام في الخرطوم في عام 1980، كما شغل سابقاً عدة مناصب من بينها منصب وزير الدولة للتعليم في الاستوائية، ونائب حاكم وسط الاستوائية، ورئيس لجنة حقوق الإنسان بالاستوائية، ورئيس لجنة الولايات في المجلس الوطني في الخرطوم، ونائب الأمين العام للحكومة، ومدير الإعلام و السكرتير الصحفي لرئيس المجلس التنفيذي الأعلى لجنوب السودان، والمفوض المساعد لشؤون الثقافة والإعلام في ولاية شرق الاستوائية. كما شارك أيضاً في حوارات السلام بين حكومة السودان والحركة الشعبية في كاستيلو دي سيتي بإيطاليا، واتفاق الخرطوم للسلام، واحتفالات توقيع اتفاق السلام الشامل في نيروبي. وتفتح العملية التي أودت بحياته نوافذ القلق من الفوضى التي توقع الجميع أن تحيق بالدولة الوليدة، كون السلاح هناك مشاع بأيدي الجميع، مع توافر بيئة قبلية خصبة وموروث حربي ذي صلة بمسائل الإقصاء والتصفية، كما تتفشى الأمية بشكل تصعب معه سيادة القانون في الإقليم، الذي تحول إلى دولة اعتباراً من الاثنين الماضي. مقتل «ميلا» يجعل الأسئلة العالقة حول غياب قائد الحركة «قرنق ديمابيور» تعاود السطوع من جديد في سماء الجنوب، خصوصاً وأن الملف برمته قد تواضع الجميع على نسيانه ريثما تفصح عاديات الأيام أو المتساقط من أوراق المخابرات العالمية عن مغاليق أسراره، وبالعدم، يظل الكل بانتظار عاصفة تضاهي تسونامي (ويكيليكس) عساها تفك طلاسم المسألة!! بالنسبة للقيادي البارز بالحركة الشعبية؛ د. سامسونج كواجي المشار إليه في صدر التقرير - الذي غيبته المنية أغسطس الماضي في أحد مستشفيات نيروبي - فقد تعرض إبان البدء في التسجيل للحملات الانتخابية، إلى محاولة اغتيال وهو في طريق العودة من بلدته في الطريق الواقع بين (موجي) و(وندوريا) بولاية الاستوائية الوسطى، وهي محاولة ضمن محاولات عدة مشابهة ذات دوافع قبلية. الرجل المنحدر من بلدة (لانيا) غرب جوبا وينتمي إلى قبيلة (القوجو) بالاستوائية الوسطى، كان قد شغل منصب الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية خلال 1986-1989م، ثم صار عضواً مفاوضاً إبان مفاوضات نيفاشا 2005م، وهو من المقربين لزعيم الحركة التاريخي جون قرنق، حيث ظل متحدثاً رسمياً باسم الجيش الشعبي طيلة حقبة الحرب، وتقلد منصب وزير الإعلام بحكومة الجنوب 2005، ثم وزارة الزراعة في 2007م، وفي 2010م أسندت إلى الرجل رئاسة حملة سلفاكير ميارديت الانتخابية، ليفسح غيابه حيزاً لدخول (جيمي ميلا) إلى التشكيلة الوزارية. في سياق مقارب كانت مجموعة مسلحة ترتدي زياً عسكرياً مكونة من ثلاثة أفراد قد نفذت في أغسطس من العام 2009 عملية اغتيال راحت ضحيتها أمينة المرأة ب(الوطني) بولاية غرب الاستوائية؛ مريم برنجي، وأصيب أحد أبنائها بطلق ناري، ومن ثم نُهب منزلها بالكامل وحرق بعد ذلك، في أكبر حوادث العنف السياسي بالإقليم عقب فترة التهدئة التي سادت في أعقاب نيفاشا. وفي تاريخ الاغتيالات في الجنوب سقط وليم نون في صراع داخل الحركة الشعبية ثم اغتيل كاربينو كوانينق في منطقة «ماريال باي» ببحر الغزال خلال اشتباكات مع أحد الفصائل المنشقة على الجيش الشعبي بعد توقيعه على اتفاقية الخرطوم للسلام. وشهدت ساحة الجيش الشعبي الكثير من التصفيات الجسدية للمعارضين لنهج القيادة منذ عهد الراحل جون قرنق. الجوار الإقليمي لم ينج كذلك من حوادث مشابهة، فقد استدعى حادث الأمس إلى الأذهان العملية التي نفذها حارس شخصي مجهول من حراس رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية حين أطلق الرصاص عليه في يناير 2001، ما أودى بحياة لوران كابيلا (1938 - 2001). كما حوى سجل اغتيالات القادة بالإقليم أسماء إلياس سالوبيتو بينا (1992)، كبير مستشاري جبهة يونيتا، ورئيس بوركينا فاسو، توماس سانكارا في 15 أكتوبر 1987 في عملية اغتيال منظمة من قبل بليز كومباوري، رئيس جمهورية بوروندي الذي أسقطت الطائرة التي كانت تقله مع الرئيس الرواندي في (6 أبريل 1994)، في حين يبقى اسم باتريس لومومبا، 17 يناير 1961، رئيس الوزراء السابق للكونغو في صدارة ضحايا الوسط الإفريقي.