الواسطة.. المحسوبية.. الولاء، كلمات تشبه بعضها في المعنى والمضمون والنتائج، وقطعاً هي مفردات وسلوك وأدب ليس بالجديد، فهي ظواهر معروفة وخبرها الإنسان وتفنن فيها باعتبارها أقوى السلالم للوصول إلى المبتغى والغاية. فلماذا إذن لا تنتهي بمرور الزمن وتطوره؟ لنجد أن الإجابة سريعة وفورية؛ ذلك بأنها أقوى، لأنها صارت ذات صفة وشخصية اعتبارية تفرض نفسها كثقافة لا فكاك منها، وبالتالي فمن يناطحها أو يقاومها كأنما ناطح صخرة، ولكن تظل هي أمراض عصر قديم وحديث، موجودة في كل الدول والمجتمعات في العالم، ولكن قد تتفاوت الدرجات وحدة المرض. من هنا يجب أن نتفاكر جميعاً ونحن جزء من العالم، ماذا صنعنا من أجل مقاومة ومكافحة هذه الأمراض العضال؟ الآن حينما نتحدث عن الخدمة المدنية والمؤسسات المختلفة وتطورها يجب ألا تغيب عن أذهاننا هذه الظواهر التي أتت بأناس كثر صاروا بمرور الزمن من أقوى المدافعين عن هذه الثقافة، بل ويدعون إلى اندياحها وإشاعتها من موقع إلى موقع. منذ الاستقلال وحتى الآن لم تستطع أية حكومة أتت إلى هذه البلاد سواء أكانت مدنية أم عسكرية أن تواجه هذا الطوفان وهذا الطابور الذي يأتي تحت اسم أهل الحسب والولاء، الذي يتربع خلف اللافتة العريضة المسماة (الواسطة)، ولا نستثني هنا مرحلة أو نظاماً، وحتى الأنظمة التي تسمي نفسها ديمقراطية لم تستطع أن تخرج أو تنأى بنفسها عن هذه اللافتة، وحتى الديمقراطية الثالثة التي حكمت البلاد في الفترة من 1986 إلى 1989 كان هذا الداء العضال معلماً بارزاً فيها، فما لم تكن حزب أمة وفي حزب الأمة أنصارياً وما لم تتم تزكيتك كمتقدم لأية خدمة في أي موقع فلن تحظى بشيء، وهنا أيضاً تضيق الحلقة، فما لم تكن أحد أقرباء فلان أو علان أو أحد المقربين للشخصيات الجهنمية الصانعة للقرار فلن تتقدم أيضاً، وكذا الحال إن لم تكن حزباً اتحادياً ديمقراطياً، وفي الحزب الاتحادي إن لم تكن تحظى بسند ومدد الختمية فلن تنال شيئاً في ذاك الزمان القريب أيضاً، وكذا الإسلاميون كانوا ولا زالوا.. هذا كان هو واقع الحال في ما كانت تسمى الديمقراطية، فهذه هي ممارساتها في الخدمة المدنية، أما واقع الحال في الأنظمة الأخرى فحدث ولا حرج، ولدي اقتراح جديد وربما يكون نافعاً ويقود إلى المعافاة تماماً، لماذا لا يجتمع كل الذين جاءوا بالواسطة في أي موقع في كل مرحلة من المراحل ليكونوا حزباً جديداً يسمونه (الواسطة) يأخذ من الوسطية أو غيرها، تكون برامجه وغايته الإصلاح بعد أن وصل كل هؤلاء إلى غاياتهم السامية التي يرونها من منظورهم؟ وليبدأوا بسؤال مهم أولاً قبل الشروع في البرامج، وهذا السؤال موجه إلى أنفسهم، ماذا قدموا للخدمة المدنية من خلال وصولهم عن طريق الواسطة إليها؟ هل طوروها أم أسهموا في تأخيرها وتقاعسها؟ وهنا قطعاًً لا أحد ينتظر الإجابة، لنقول أخيراً: أما آن أن نعي الدرس ونحن نتجه لإرساء دعائم دولة الشمال الجديدة التي نتمنى صادقين أن نقيمها على معشر أهل الخبرة لا أهل الولاء (الواسطة.. المحسوبية)؟