كتبت منذ أيام متسائلة عن المعايير التي يضعها القائمون على الأمر في اختيار الشعراء المُكرّمين ضمن أماسي وزارة الثقافة التي انتظمت البلاد مؤخراً، وكنت قد استهجنت عدم تكريم الشاعر البارز الأستاذ «السر دوليب» ضمن العديد من الأسماء الأخرى التي نما إلى علمي سقوطها «سهواً» من أجندة عمل اللجنة المُنظِمة، وشاءت الأقدار أن يتم تكريم الأستاذ «دوليب» في ذات الليلة بينما كان الأعزاء في القسم الفني بالصحيفة يرسلون مقالي إلى المطبعة، وما أن خرجت الصحيفة إلى الناس صباح الأحد الماضي حتى حاصرتني هواتف المهتمين بالأمر مشكورين، ولكني أخص بالشكر الفنان الشاب صاحب التجربة المميزة «شكر الله عز الدين» الذي اتصل عليّ باكراً موضحاً الأمر ومصححاً المعلومة على اعتبار أنه كان الفنان المشارك في أمسية تكريم «السر دوليب»، فحمدت له كثيراً هذا الاهتمام والتوضيح واحتفاؤه بما تخطه أقلامنا المتواضعة مما يؤكد أنه فنان مثقّف وواعٍ وحريص على المواكبة والتفاعل، وهذا ما دفعني للحرص الشديد على متابعة البث الراتب الذي تقدمه قناة النيل الأزرق لفعاليات أماسي أم در الثقافية كل ليلة لأقف على كل هذا الجمال الذي اتسمت به هذه الليلة المميّزة التي قرأ فيها الأستاذ «السر دوليب» أشعاره الخالدة بمحبة متمنياً أن تدوم هذه الريدة وتلك المحبة بين الوزير الرائع السموأل خلف الله، ومشروع الأماسي العزيز الذي منح السودانيين إمتاعاً وإبداعاً وتواصلاً حميماً مع أسماء لامعة وعزيزة دون قيد أو شرط وبلا مقابل. - وبعد أن قرأ علينا «دوليب» رائعته «مسامحك يا حبيبي» أغرقنا «شكر الله» في لجة من التسامح والسماح والتفاعل منقطع النظير مع الجمهور وهو يتيح لهم الفرصة كاملة لأداء الأغنية مع كامل تعاونه وأفراد فرقته الموسيقية الذين كسروا حاجز التقليد والاعتياد بزيهم الشعبي المميّز والمُنتقى بعناية لتكتمل اللوحة، إلى جانب ما ارتداه «شكر الله» يومها بالإضافة للمبادرة البارعة بأدائه لأغنية «شمة» بكامل طقوسها وأجوائها بمشاركة فرقة الفنون الشعبية وهو يحملنا إلى الغرب الحبيب ويمنحه خاصية الاهتمام وخصوصية الكلام، ثم يختم وصلته الغنائية دون أن يُخرجنا من الأجواء العامة لاحتفالاتنا بالمولد النبوي الشريف راجياً رسولنا الكريم أن «يكسينا من زيِّه» ويظلنا بردائه يوم لا ظل إلا ظل العرش المجيد. - عموماً.. اتسمت هذه الأمسية بالجمال والحيوية والتنوُّع، وأنا لا أُخفي إعجابي بصوت شكر الله عز الدين ولا مثابرته في تجديد نفْسه و«نَفَسه» الغنائي بكل اجتهاد وطموح. - ولأن حديث الأماسي هو الحديث الأوسع نطاقاً في إطار أحاديث الثقافة هذه الأيام، فلا يفوتني أن أعود للإشادة بما قام به الفنان «ياسر تمتام» من دعوته أولاً لأسر جميع الشعراء الذين تغنى لهم في ليلته وقيامه بتكريمهم شخصياً على مرتين الأولى مادية مباشرة والأخرى وهو يحرص على ذكر اسم جميع شعراء ومُلحني الأغاني وهذا ما أغفله معظم الفنانين ومنهم «إيمان توفيق» التي أعيب عليها جمودها المزعج وأغانيها المتشابهة ذات اللونية الواحدة، وإغفالها التام لذكر أسماء الشعراء والملحنين ويبدو أنها لم ولن تتمكن قريباً من بلوغ حد الاحتراف والخروج من عباءة الرائدة حنان النيل سقى الله أيامها، غير أن المحزن جداً أن تقوم قناة النيل الأزرق بكل ما نحمده لها من جميل رعايتها وعنايتها بهذا الفعل الثقافي التاريخي، أن تقوم عمداً بحذف كل المشاهد التي كان الفنان «ياسر تمتام» يقف فيها مُعرِّفاً الجمهور بأسماء الشعراء والملحنين حفظاً لحقوقهم الأدبية لتهدرها قناة النيل الأزرق مع سبق الإصرار والترصُّد دون حتى أن تتم الإشارة لتلك الأسماء بكتابتها على الشاشة! ولا أعرف ما هو المبرر المنطقي لذلك وهل هو لاختصار الزمن؟! فلا القناة ترحم ولا الفنانون يرحمون وحين تنزل الرحمة من أحدهم تقديراً لأولئك المبدعين تعمد القناة لحذف هذا التوضيح استهانة به؟! ثم تجدنا نتحدث عن حفظ الحقوق الأدبية والفكرية وغيرها من تلك الشعارات الرنانة غير الواقعية؟ لقد أزعجني هذا الفعل غير المسؤول من قناة بحجم النيل الأزرق وأتمنى أن يتم تداركه وأن يحرص الجميع على حفظ حقوق المبدعين فلم يعد لبعضهم إلا هذا الحق المعنوي الذي يؤكد على وجودهم ويسعدهم. تلويح: شكراً «شكر الله»، شكراً «ياسر تمتام» ودامت الأماسي «العذبة».