{ رحم الله جدتنا «مدينة بت العوض» رحمة واسعة. فقد كانت تُطلق عبارتها الشهيرة في القرية «الليلة الكون لايج»، لما ترى الناس في تلك المضارب تزداد حركتهم على إثر حالة فرح أو ترح. { ولا أدري ماذا كانت ستقول لو أنها شاهدت «الثورات العربية» التي تحتدم هذه الأيام في «دوار اللؤلؤة» وميادين التحرير التي تنتشر في كل عواصمنا العربية، ربما أنها كانت ستقول «بنهاية الكون» ونهاية التاريخ. { أحد أسلافنا قد تحرّك لأول مرة في حياته من منطقة العبيدية إلى مدينة الدامر، مسافة ستين كيلومتراً، قال الرجل وهو يحط رحاله بدامر المجذوب، قال: (والله يا جماعة الكون دا أتاريه واسع خلاص)! { وقصة (كون العرب اللايج) قد بدأت من تونس لما بلغ طغيان الحكم ذروته، لما أصبحت ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس بن علي أقوى من الدستور التونسي، لما أصبحت الجمهورية تستمد شرعيتها من «سيدة قرطاج» التي عطّلت الدستور، ساعتها استدرك التونسيون أن بديوان شعرهم العربي نصاً هائلاً يقول «إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر».. فحرّكوا هذا «النص التاريخي» من ديوانهم الشعري إلى ميادينهم بوسط المدينة، فكانت قصيدة الشابي بمثابة «المواد المحلية التي صنع منه التونسيون ثورتهم»، ثم توالت الثورات. { فانتقلت الشرارة إلى مصر، لما أجبر الشباب المصري كل قنوات الدنيا لمدة أسبوعين أن تبدأ ارسالها وتختتمه من ميدان التحرير بوسط القاهرة. لكن مصراً قد أضافت نصاً آخر للثورة العربية، أعني نص «الشعب يريد إسقاط النظام»، وإذا الشعب المصري يوماً أراد إسقاط النظام فلابد لحسني مبارك أن يستجيب. { ثم أضاف الرئيس حسني مبارك جملة يستفيد منها كل الروساء المخلوعين لاحقاً، الجملة التي قالها بتجهُّم السيد عمر سليمان.. «لقد قرر السيد رئيس الجمهورية تخليه عن منصبه». ثم ذهبنا مع «قناة الجزيرة» إلى الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية، الجزيرة التي انتقلت من خانة قناة تنقل الأخبار إلى قناة إعلامية تصنع الأحداث، ولما كتبنا هنا منذ أيام أن الجزيرة هي مفجرة الثورات العربية، قامت الدنيا ولم تقعد، واتهمني البعض بأني ضد الثورات العربية! وصحيح أن هؤلاء الحكام قد بلغوا درجة من الفساد والجبروت، ولكن من هي الجزيرة «العارية» لتحاكمنا وفق «الأخلاق الغربية»؟، ففاقد الشيء لا يعطيه! وتلك قصة أخرى. { ولئن كانت «ليلى الطرابلسي كانت أقوى من الدستور التونسي»، فعلى الأقل أن الرئيس معمر القذافي قد قال «أنا المجد ذاته»، «وقال إيه».. قال «لو كنت رئيساً لقدمت استقالتي»، فالرجل فوق الرئاسة وفق القانون وفوق الدستور، وأنا شخصياً لا أعرف دستوراً غير القذافي في ليبيا، فلئن كان الآخرون يتصرفون وفق الدستور والقانون، فإن رجل ليبيا الأوحد لأربعة عقود من الزمان العربي الهزيل، لهو الدستور يمشي على رجلين، هو الدستور هو المجد هو القانون هو التاريخ { ولئن سقط القذافي في ليبيا سيسقط التاريخ، سيسقط المجد، وسيسقط لا محالة «الكتاب الأخضر»، ويقول الرجل «إنه لا يحكم ليبيا، فالشعب هو الذي يحكم نفسه»، ولئن كان القرار بيد الشعب كما يزعم، فها هو الشعب قد نهض ليقرر حكمه بنفسه! { وأنا أكتب هذا المقال، ولم يبق للزعيم التاريخي معمر القذافي، إلا منطقة العزيزية المحصّنة بوسط مدينة طرابلس، ولقد تخلى كل القادة والأعوان عن الرجل، وكان آخرهم الأسطورة «أحمد قذاف الدم»، ابن عمه وأقوى حلفائه وسفيره بجمهورية مصر، وكان القذافي ينتظر أن يأتيه قذاف الدم بمائة ألف أو يزيدون من «قبائل التماس العربية»، وإذا بقذاف الدم يترك منصبه ويذهب إلى دمشق! { والقصة كلها أيها السادة «إن الله يُمهل ولا يُهمل»، وأن حالة الفرعنة في الأنظمة العربية قد بلغت قمتها، ولازال هنالك من الأمراء والملوك يجلسون على تلة «لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد». { مخرج،، ولقصة الثورة العربية.. (والكون اللايج).. بقية.