{ وجد مقالنا المنشور بعدد أمس بعنوان (المدارس الخاصَّة.. خفِّفوا معاناة الشعب) اهتماماً كبيراً في أوساط شرائح مختلفة من المجتمع، أبرزها (المعلمون) وأولياء أمور الطلاب بالمدارس (الخاصَّة). { وساند الكثير من القرَّاء مطالبتنا بضرورة إجراء معالجات (جذريَّة) و(عاجلة) في ما يتعلق بملف التعليم، مؤكدين - جميعهم - أن (ميزانيَّة تعليم الأبناء) أصبحت تمثِّل الصداع المستمر والعبء الأكبر على كاهل رب كل أسرة في بلادنا. { وكم أسعدني أن تهاتفني «أمس» معلمة الأجيال عميدة مدارس «المليك» بأم درمان الأستاذة المخضرمة «نفيسة المليك»، وهي تشيد بالمقال والأفكار المطروحة فيه، ثم تكشف لنا أنَّ «مدارس المليك» بالملازمين الممتدَّة على مساحة (6) آلاف متر مربع مغلقة منذ العام 1990، لأسباب متعلقة بسياسات التعليم في البلاد، التي جفَّفت مدارس الحكومة والتعليم (الأهلي) وفتحت المجال واسعاً لمدارس (البزنس) ورجال الأعمال، ليثرى منها البعض، وينحط التعليم، و(تفلس) الأُسر اللاهثة وراء جمع الرسوم (المليونيَّة) إلى أصحاب تلك المدارس (التجاريَّة). { رائدة التعليم (الأهلي) السيدة «نفيسة المليك» تقول إنَّ مدارسها غير مملوكة للأسرة بل لمجلس الأمناء، إذ لم يهدف المرحوم (الشيخ المليك) من وراء تأسيسها عام 1948م إلى تحقيق أرباح أو ممارسة تجارة، بل سعى من خلالها إلى تعليم بنات أم درمان، وغيرهن على امتداد العاصمة، وقد تخرَّجت فيها الكثير من أمَّهاتنا، وسيدات جليلات أسهمن في شتى المجالات بالمجتمع، على مدى عقود سابقة من تاريخ السودان. { الآن.. تقول السيدة «نفيسة المليك» إنَّ مدارسها تحتاج فقط إلى معلمين، وأنَّ رسومها الدراسيَّة كمدرسة (أهليَّة) لن تزيد عن «خمسمائة جنيه فقط»، وأنهم رفضوا إيجارها لجهات كانت ترغب في تحويلها إلى مدارس (خاصة) ذات أغراض ربحيَّة!! { سادتي: المدارس (الحكوميَّة) آيلة إلى الانهيار بدفع سياسات (خصخصة) التعليم التي لو استمرَّت ستدمِّر هذا البلد، دون حاجة إلى (حركات تمرُّد وتحرير وعدالة)!! { بعد عشر سنوات، وربما أقل، سيتضاعف عدد المدارس (الخاصَّة) عدة مرات ليصبح التعليم الحكومي نسياً منسياً، وفي ذلك الوقت لن يستطيع العمال وصغار الضباط والجنود في القوات النظاميَّة، والحرفيُّون، بل والمعلمون وصغار الموظفين، وأصحاب المهن الهامشيَّة وغيرهم بالملايين، لن يستطيعوا تعليم أولادهم وبناتهم في مدارس أساس (محترمة) دعك من الجامعات، فمن لا يملك والده أو ولي أمره «عشرات الآلاف» من الجنيهات لسداد فواتير المدرسة (الخاصَّة)، فسيكون مصيره الشارع..!! { والعكس هو الذي كان يحدث في سابق العهود في بلادنا، فالذين يحكمون السودان اليوم، يدورون على مقاعد الوزراء، يتقلبون على (سراير) النعمة، ويرسلون أبناءهم إلى مدارس الطبقة (الرأسماليَّة)، هم أبناء العمال الكادحين، والمزارعين الغلابى، فالرئيس «البشير» ابن مزارع بسيط، ونائبه «شيخ علي» ابن جندي فقير، والدكتور «نافع» والفريق «عبد الرحيم» والفريق «بكري»، و«عوض الجاز» و«إبراهيم أحمد عمر» وكل قيادات (الإنقاذ) خرجت من أصلاب الفقراء المعدمين، لكنَّهم تعلموا (مجاناً) على حساب الشعب السوداني، في الداخل والخارج، فكيف يصبح التعليم في عهدهم، أغلى سلعة على الإطلاق؟! { قد يقول قائل منهم: إنَّ المدارس والجامعات (الخاصة) للميسورين ومن لم يستطع فأمامه مدارس الدولة!! ونقول له إن أفضل المعلمين هجروا مدارس (الميري) والتحقوا بالخاصة، وصارت مدارس الوزارة (خرابات) تنعق فيها البوم، وإذا استمر الحال هكذا، فإنها ستتلاشى تماماً خلال عشر سنوات. { حدثتني (معلمة) بمدرسة حكومية بمدينة «الثورة» أمس لتقول لي إن مدارسنا لم يعد يدرس بها غير أبناء (المعلمين)، هل تعرفون كم راتب هذه المعلمة؟راتبها «ستمائة جنيه» لا غير!! ربما يكون مناسباً!! ولكن اسألوني: كم سنوات خبرتها؟.. كم ظلت تعمل بوزارة التربية والتعليم؟! (الإجابة مفيدة لنواب الاختصاصيين وأطباء الامتياز.. يا دكتور «أبوابي» قائد ثورة الأطباء المُدللين).. { (26) عاماً.. ستة وعشرون عاماً وهي تعمل بالتعليم مقابل (600) ستمائة جنيه!!! رغم أنها أنفع للوطن والشعب من أي (نائب اختصاصي) في أي مستشفى.. فالمعلمون هم أساس التنمية.. وهم مربُّو الأجيال.. صناع المستقبل. { جفِّفوا المدارس (الخاصة) مع العام الدراسي الجديد، وضعوا استراتيجيَّة جديدة لإحياء مدارس الدولة مقابل التزامات (ماليَّة) زهيدة على الميسورين بالتنسيق مع مجالس الآباء لتحفيز المعلمين بمرتَّبات موازية، وصيانة المدارس وتوفير الكتب، فالذي يدفع (8) آلاف جنيه لمدرسة (خاصة)، أيسر له أن يدفع «ثمانمائة جنيه» ل (حكوميَّة)، مع الاستمرار في الإعفاء الكامل للمعدمين. { إذا رفعت الدولة يدها حتى عن التعليم، فما هي مهمَّتها إذن؟ ماذا يفعل الشعب بالوزراء والولاة والمعتمدين؟ ما فائدة الحكومة؟ وما قيمتها؟