هي كلُّها ميراثُك المسروق أسفلت الدروب.. حجارةَ الشرفات أوعيةَ المعاصر النفط.. زيت العطر مسحوقَ الغسيل.. صفائحَ العربات أصباغَ الأظافر.. خشبَ الأسرَّة زئبقَ المرآة.. أقمشةَ الستائر غازَ المدافئ.. معدنَ الشفرات أضواءَ المتاجر وسواه من خير يسيل بغير آخر هي كلُّها أملاك جدك في مراكشَ أو دمشقَ أو الجزائر هي كلُّها ميراثُك المغصوب فاغتصبي كنوزَ الاغتصاب زاد الحسابُ على الحساب وآنَ تسديدُ الحساب فإذا ارتضت.. أهلاً وإن لم ترضَ فلترحلْ فرنسا عن فرنسا إن كان يزعجها الحجاب { هكذا تدفقت مشاعر الأديب العربي المسلم «أحمد مطر» عام 1991م فأنشد هذه القصيدة المترعة بالأشجان والمشاعر، وذلك على إثر عملية طرد «طفلة مسلمة» من مدرستها في باريس لأنها كانت تضع «قطعة قماش» على رأسها،. فعاصمة الحريات والعطور لم تحتمل قطعة قماش «خمار» على رأس طفلة هي دون العاشرة، بل قل إن الإمبراطورية ذات القرون تضيق ذرعاً من ذوات العشر من الأزاهر.. واهاً.. أرائحةُ الزهورِ تضيرُ عاصمةَ العطور أتعفُّ عن رشفِ الندى شفةُ البكور أيضيقُ روحٌ بالطيور لا غرابة أنا بسمةٌ ضاقت بفرحتها الكآبة أنا نغمةٌ جرحت حدود الصمت وازدرت الرتابة أنا وقدةٌ محت الجليد وعبأت بالرعب أفئدة الذئاب أنا عفةٌ وطهارةٌ بين الكلاب { استدعي في هذه اللحظة التاريخية العربية الفارقة هذه «القصيدة الذاكرة» فبعض الذين ضاقت بهم بلادهم يستدعون الآن «أوربا القديمة وواشنطن الجديدة»، مرةً لتخلصهم من أوجاعهم ومرةً لتعلمهم دينها؛ دين الحريات وحقوق الإنسان، أو ليقتادوننا إلى محاكم مجلس الأمن و«المحكمة الجنائىة»، وننسى في لحظة ضعف تاريخي أن الغرب الكبير نفسه يفتقد لما يمكن أن يقدمه إلينا من «حريات»، فالغرب لم يسرق نفطنا فسحب بل يحاول أن يسرق بعض تاريخنا وقيمنا ليحاكمنا بها. ولنبحر في أعماق التاريخ والجمال مع أحمد مطر: من أي سحر جئت أيّتُها الجميلة من أي بارقةٍ نبيلة هطلت رؤاك على الخميلة.. فانتشى عطرُ الخميلة من أي أفقٍ.. ذلك البردُ المتوّج باللهيب وهذه الشمسُ الظليلة من أي نبعٍ غافل الشفتين تندلع الورود من الفضيلة { فالغرب غير مؤهل أخلاقياً ليعلمنا صناعة الحياة، وإن احتمى به بعضنا من جور حكامنا، فلا يعني ذلك أننا أمة بلا هوية وبلا مشروع وبلا تاريخ. ويمضي أحمد مطر في قصيدته «الحسن أسفر بالحجاب»، ونمضي نحن في تنشيط ذاكرة الجمال: قمرٌ على وجه المياه سكونُه في الاضطراب وبعدُه في الاقتراب غيبٌ يمدُ جسوره وسط الغياب وطنٌ يلمُ شتاته في الاغتراب وهي الحضارةُ كلُّها تنسلُّ من رحمِ الخراب.