سابقاً كان كل شيء يمضي في تلقائية وعفوية كاملة حتى يبلغ منتهاه وغايته، دون أن يتدخل أحد، ويومها كان الشعراء يقرضون الشعر في الحال (قطع أخضر)، ومع مرور الزمان صاروا يكتبونه وكنا نتقبل كتابة الشعر ولا نشعر بصناعة لا روح فيها، أما الآن فقد صاروا يصنعونه وعدنا نتقبل عبارة (صناعة الشعر)، وصناعته تحتاج لإلمام بعدد كبير من المفردات لتشكل خيارات وأدوات لتركيب البيت الشعري وصناعة القصيدة، وهكذا دخلنا صناعة كل شيء، بدءاً بصناعة الجاسوسية وصناعة الاتهام وهناك صناعة السياحة، وسوف تتمدد الصناعة لتشمل كل شيء حتى وإن كان معنوياً، والآن نحن بين يدي صناعة الثورة، وأبرز أدواتها صناعة الاغتصاب الذي يصنع اتهاماً تتناقله مواقع الإنترنت ومجالس الناس ثم يدوي انفجار يأذن بثورة شعبية عارمة... هكذا يعتقدون. في صناعة الثورات يطلب من الناشطة بأن تكون ساقطة تجاهر بتعرضها بما لم تتعرض له وتقف أمام الكاميرا لتمثل وتستعطف ببكائها ودموعها المصنوعة المتلقي وهي تسرد رواية عرضت عليها وحفظتها عن ظهر قلب وأجرت لها عدداً من البروفات، وساعة التصوير يعاد تصوير المشاهد أكثر من مرة حتى يطمئن مخرج الفيلم أن الناشطة الساقطة قد أدت الدور بكفاءة الممثلين المحترفين ثم تجرى عملية المونتاج، ويتعرض الفيلم في صناعته لعمليات قطع حادة يعرفها كل صاحب فكرة في صناعة الأفلام ويستيقن أن هناك شيئاً غير طبيعي يشكك في مصداقية المشاهد المصورة. لماذا كل المشاهد المصورة يظهر فيها ناشطون سياسيون، وهم وحدهم دون غيرهم من يضحون بسمعتهم، ومثل هذه التضحية القذرة يفضل آخرون عليها الموت بدلاً من الخروج على الملأ وادعاء الاغتصاب، ولكم أن تقارنوا بين الفتاة التي أقيم عليها الحد وقد ظلت داخل وطنها ولم تهرب إلى جوبا ثم إلى الخارج مثل ما فعلت الناشطتان الأخريان وقد سلكتا كافة الخطوات المرسومة لهما، فإحداهنَّ بدأت معركتها بتعرٍ ثم تظاهرة غنائية استدرجت الشرطة إليها ثم اختفاء، أعقبه ظهور في جوبا ومغادرة إلى يوغندا ومنها إلى باريس وقد رافق كل ذلك حملات إعلامية شرسة، وها هي ناشطة أخرى تدعي اغتصابها ويكذبها التقرير الطبي الذي نشرته الشرطة في صحافة الأمس ثم تسجل مسرحيتها أمام الكاميرا وتغادر إلى جوبا ومنها إلى يوغندا، وقريباً ستسمعون بها في باريس وهناك تنضم إلى رفيقتها، وقد صاحب كل ذلك حملات إعلامية على صفحات الإنترنت، مما يفسر أن الاغتصاب ارتكب لأجل هذه الحملات ولأجل هذه الغاية تحديداً. السودانيون لا يحبون الجهر بالسوء والرذيلة، حتى وإن ارتكبت حقاً، ناهيك عن اختلاقها، ولذلك عفّها أهل دارفور في أزمتهم ومحنتهم وشاحوا عنها ولم تجد أذناً صاغية بينهم تنصت لهذا الهراء وهم أهل قرآن ومحمل، تعصمهم قيمهم من الانزلاق خلف ثقافة غربية يروج لها بعض بني جلدتنا ولكن مثل هذه الأفعال المشينة يقبلونها في أمريكا وأوروبا إن كانت عن تراضٍ، ويرفضونها إن كانت اغتصاباً. ما نرفضه تماماً زج نسائنا في الصراعات السياسية وأن يدوس البعض على كرامتهن وشرفهن من أجل غرض سياسي رخيص، وفي أحايين كثيرة يقسرن على أداء مثل هذه الأدوار الرخيصة أو يتم إغراؤهن بالسفر إلى أوروبا ومنحهن حق اللجوء السياسي، ومنهن من يحتملن هذا العار ولا يلتفتن لما يسيء إليهن ولأسرهن ولبلادهن، وقد شهدنا كل ذلك ونعلم أن الغربيين واليهود وعملاءهم داخل الحركة الشعبية يقفون خلف كل هذه المشاهد المصورة والأفلام الرخيصة. ما يجب أن يعلمه الناس في هذا البلد هو تلك القدرات الهائلة للوسائط الإعلامية المستخدمة في صناعة الأفلام، وهي تستطيع أن تبدل في الأشخاص والمشاهد ولها القدرة في حمل رأس ما ووضعه على جسد آخر وتحرك الرأس داخل حركة الجسد الذي يفعل شيئاً ما، أما الصوت فإن تركيبه أسهل من أن ترشف جرعة ماء. ما أخشاه أن تجر مثل هذه الأنشطة القذرة بلادنا إلى هذا النوع من الحرب التي لن تستثني سيداً أو وضيعاً من حركة رؤوسهم على أجساد تحتشد داخل الشبكة العنكبوتية.