{ في إحدى الجولات الميدانية منذ أسابيع، كُنا نرتحل مع حكومة ولاية الخرطوم إلى ريفها الشرقي، للوقوف حقلياً على المجهودات التي تُبذل في سد ثغرات «الأمن الغذائي»، ووقفنا يومها على تجارب ونماذج لا بأس بها لتغطية حاجة الولاية من الألبان والخضروات الطازجة، ثم انتهينا عند منتصف النهار إلى «واحة خضراء» مُدهشة صنعها بكثير من الخيال وشيء من المال رجل الأعمال معتز البرير، وهي عبارة عن قرية سياحية صغيرة ترقد على سطح أخضر هائل، مطرّزة ببعض البنايات المصنوعة من المواد المحلية على هيئة «ضهر تور وقطاطي»، فنزلنا ضيوفاً في هذه الواحة الخضراء على آل البرير لتناول وجبة الإفطار وأخذ قسط من الراحة النفسية، ومن ثم انتهز الأخ الباشمهندس صديق وزير الزراعة بولاية الخرطوم هذه الفرصة ليحدثنا أكثر عن نماذج «البيوت المحمية» وطموحاتهم الزراعية بولاية الخرطوم و...و... { ورأيتها «فرصة هائلة»، والسيد الأمين العام لمشروع النهضة الزراعية بين ظهرانينا ، ولأسدِّد «ركلة مباغتة» في مرمى الرجل «الضيف» والذي تفاجأ بهذا السؤال، وهو لم يخرج يومئذ لقتال، بمعنى، «وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم»، بمعنى آخر أن الأمانة العامة لنهضة الزراعية كما لو أنها قد خرجت في يوم نزهة أو قُل في إجازة ولو ليوم واحد من «النهضة الزراعية» لكن (مؤسسة الملاذات الجناح الزراعي) بهذا السؤال قد أعادت الرجل المهندس عبد الجبار حسين للخدمة، هكذا أخذت فرصة السؤال التالي، دعونا أيها السادة من «تِبِش وخيار» ولاية الخرطوم فلنسأل السيد الأمين العام لمشروع النهضة الزراعية عن مشروعنا الزراعي الكبير، ثم التفت إلى الرجل بسؤال سيدي الباشمهندس الآن بين يديك صحيفة (التيار) ورئيس تحريرها الأخ الأستاذ عثمان ميرغني والأستاذ عادل الباز «الأحداث» والأستاذ أحمد عبد الوهاب «الحُرة» و«آخر لحظة» و«الأهرام اليوم» والإذاعة السودانية، وتلفزيون السودان و.. و... بإمكانك سيدي أن تقدِّم مرافعاتك لماذا استورد السودان العام الفائت قمحاً بقيمة مليار دولار أمريكي، أليس من العيب يا سيدي وبعد عشرين عاماً من «الإنقاذ»، الإنقاذ التي نهضت على جدلية «نأكل مما نزرع» أن نستورد القمح؟! وأيضاً بإمكانك أن تُحدِّثنا عن تحضيراتكم لهذا الموسم وإن كنت تحمل بعض البشريات و.. و...!! { وبدا أن رجل «النهضة الزراعية» لم يكن مهيئاً نفسياً فضلاً عن شح المعطيات التي يمكن أن يعبر بها إلى بر الأمان، وأوشك أن يهتف في جمعنا بأنه لم يخرج اليوم لهذا وأنه في إجازة من النهضة، وأوشكتُ في المقابل أن أهتف «التحكيم فاشل، التحكيم فاشل»! (قال أيه.. قال إن هذه قصة طويلة تحتاج لساعات)، يمكن أن نُعطيك نصف ساعة لتختزل فيها كل المسوِّغات ولكن الرجل لم يفعل ولن يفعل! { و«شلنا شوقنا رجعنا بيه وما ندمنا على سؤالك»! ثم عدنا أدراجنا إلى «تِبش الولاية» على الأقل أن ولاية الخرطوم قد تمكَّنت يومها من أن تُعطي كل صحافي «خيراراية» كدليل مادي على مجهوداتها، لكن النهضة الزراعية لم تمنحنا سنبلة أمل وهي تخرج لتتفرّج على (خيار) الولاية فقد أصبح حالها كحال «غلام بسطام» أو تذكرونه، قيل إن غلاماً قد خرج من بسطام طلباً للعلم، تاركاً وراءه العالم البسطامي الشهير، ولما طرق أبواب مدينة بعيدة سأله أحد سدنتها من أين قدِمت أيها الغلام؟ قال: من بسطام. قال: وما الذي أخرجك من بسطام؟ قال: خرجت في طلب العلم يا مولاي. قال: إن الذي خرجت لأجله قد تركته وراءك ببسطام. فقد خرجت «نهضتنا» في طلب «جرجير الولاية وخيارها» تاركة مشروع القمح وراء ظهرها كما ترك الغلام العالم البسطامي الشهير وراء ظهره و..و.. { مع أن القصة تبدأ بالقمح وتنتهي بالخبز، (فالقصة قصة رغيف وقصة شعب مظلوم ضعيف) والسودان بمقدماته الزراعية من الأرض البكر والماء العذب والسواعد السمر كما لو أن قد بعث «بالمشروع الزراعي» نملأ الأرض أملاً وخضرة وزرعاً. { ولو أن هنالك مبرراً في السودان لصناعة ثورة، فلتكن «الثورة الزراعية» لأجل صناعة السودان الأخضر على أن يخرج الزراعيون بمزارعين إلى «ميدان الثورة الزراعية» للمطالبة بإسقاط نظام النهضة والتأسيس «الشرعية زراعية» جديدة ... والله أعلم.