٭ أو تذكرون قصة غلام بسطام؟!، قيل أن غلاماً قد خرج من بسطام طلباً للعلم تاركاً وراءه العالم البسطامي الشهير، فلما طرق أسوار مدينة بعيدة سأله أحدهم، من أين أنت قادم أيها الغلام؟ قال قدمت من بسطام، قال وما الذي أخرجك من بسطام، قال خرجت في طلب العلم يا مولاي، قال إن الذي خرجت لأجله قد تركته وراءك ببسطام! ٭ والدكتور أمين حسن عمر، رئيس وفد الحكومة لمفاوضات الدوحة بعد كل تلك الشهور التي أنفقها في المفاوضات، أتي في مؤتمره الصحافي أمس الأول ليقول «إن التسوية التي خرجنا لأجلها ثمانين بالمائة منها هي بالداخل»، بحيث تكمن الحلول على الأرض الدارفورية، ومن الأقوال التي وقفت عندها في مؤتمر أمين الصحافي قوله «إن حركة خليل لما خرجت على المفاوضات كانت تعتقد أنه بإمكانها أن تكسب الجولات على الأرض، بمعنى «ما يمكن أن تحققه على الأرض عبر عملياتها العسكرية سيكون أعظم من الذي يمكن أن تكسبه في المفاوضات» وبمعنى آخر أكثر وضوحاً، «السيف أصدق أنباءً من الكتب.. وفي حده الحد بين الجد واللعب»، غير أن هذه المعادلة، يقول الدكتور أمين، كانت خاطئة ولهذا يجب على حركة العدل والمساواة أن تمتلك الشجاعة التي تؤهلها إلى الرجوع إلى الدوحة، والسيد عبد الواحد، بحسب أمين عمر، لا يملك شيئاً على الأرض ذي بال، غير أن مبعوث الحكومة إلى الدوحة يرجع في خاتمة المؤتمر ويقول مهم جداً استمرار التسوية مع الحركات المسلحة، إلا أن التسوية الأكبر يفترض أن تتم على الأرض و.. و.. ٭ وبالتأكيد أن ما قال به الدكتور أمين حسن عمر هو خلاصة تجربة مريرة جداً عاش وقائعها المعقدة في ردهات فندق شيراتون الدوحة فالحركات المسجلة في مونديال الدوحة قد فاقت الثلاثين حركة، والحركات التي لم تأتِ إلى الدوحة ربما تماثل العدد ذاته، والأزمة الكبرى أن الأرض الرملية تتحرك من تحت أرجل الحركات، فلا تستطيع أن تقلل من شأن أي حركة، بمعني أن هنالك حركة تنقلات هائلة ومستمرة، على الأقل بين القادة الميدانين، والحكاية كلها تتلخص وتنتهي عند القادة الميدانيين، فهم الذين يديرون المعركة على الأرض، بحيث أن قوة أي حركة تُقاس بعدد وحجم ووزن قياداتها الميدانين، وغالباً أن هؤلاء القادة ينسلخون من الحركة التي توقِّع اتفاقاً مع الحكومة ويوقِّعون في كشوفات حركة أخرى لم توقِّع. وعلى سبيل المثال، لما وصل الثائر مناوي الخرطوم وصل معه قادة كثيرون وصالح معه آخرون، إلا أنه وبمرور الأيام قد حدثت حالات انسلاخات عديدة غادر بموجبها مجموعة من القادة إلى حركات أخرى، والمسألة تبدو أقرب إلى ثقافة تنقلات كرة القدم، فاللاعب يذهب إلى النادي الذي يدفع أكثر، وربما أن قادة الحركة الموقِّعين يذهبون بكل المناصب والامتيازات ويتركون قادتهم في الصحارى والضهاري، وينسون في لحظة سكونهم الفلل بأن هذا المجد الذي بين يديهم قد تحقق بفضل أولئك المحاربين المحترفين على الأرض. ٭ وبتقديري أن أزمة إقليم دارفور تكمن في حالات التفكك والاضطراب العارمة التي يرزح تحت وطأتها الإقليم، ولا يمكن أن يتم اختراق هذه الأزمة إلا أن تنضم الحكومة إلى إحدى الحركات المسلحة، بمعنى أن الحكومة تحتاج إلى أن تخوض معركتين، المعركة الأولى لتوحيد الحركات المسلحة عسكرياً، ثم تخوض معركة المفاوضات مع هذه الحركة الموحّدة. على أن أزمة جنوب السودان قد تفوّقت وتميّزت على أزمة إقليم دارفور بأن الإقليم كله كان يخضع إلى رجل واحد هو الراحل جون قرنق وهذه السيناريوهات ربما تعيدنا من جديد إلى حركة العدل والمساواة لتكون هي مفتاح الدخول في المسارات (الصاح) لتفكيك هذه الأزمة والله أعلم، ولا نملك إلا أن نستعصم بحيرة تلك الأبيات الشعرية.. بكلٍ تداوينا ولم يشف ما بنا.. على أن قُرب الدار خير من البُعد على أن قُرب الدار ليس بنافع.. إن كان من تهواه ليس بذي عهد