الدكتور عبد الحليم المتعافي وزير الزراعة الاتحادي في الواجهة من جديد، الأضواء تزحف بين الفينة والأخرى حول عالم هذا الرجل المثير للجدل الذي ذاع صيته عن عشقه الشديد وولعه الأسطوري في مجالات الاستثمارات وفضاءات التجارة وكسب المال حتى وصفه البعض بالراهب الملتزم في محراب «البيزنس»!. شخصية المتعافي تكشف أسلوبه القائم على المدرسة السينمائية التي تتبنى مفاهيم التناقض بين حالات البرود ودفقات التحدى في سياق توظيف المنهج الذي يسترضي طموحاته وأهدافه الذاتية!! فهو تارة يتحدث في لهجة غليظة عن سهام البعض التي تحاول تطويقه قائلاً ( اتحداهم جميعاً!!) وفي زاوية أخرى يُذكر في صوت خفيض لا تفارقه الابتسامة العريضة عن الأقاويل والشائعات التي تطارده بأسلوب يفصح عن إشارات مليئة بالجرأة والأعصاب المريحة قائلاً (أنا عشان بقيت وزير أمشي أقفل مزرعتي!!)؟ والدكتور المتعافي يعترف بلهجة لا تخلو من الفخر بأن ولاية الخرطوم في عهده شهدت فترة ذهبية للمقاولين تجاوز تعدادهم يومذاك 150 مقاولاً لكنه في ثنايا إقراره بأنه مستثمر ورجل أعمال يتساءل المتعافي عن الدليل القاطع الذي يؤكد قيامه بالخلط بين العمل العام ونشاطه التجاري؟! (السوداني بتاريخ 1 مارس الجاري). مربط الفرس في قضية المتعافي يشكِّل لوحة سيريالية تتكون من حلقات مشدودة ترتبط بخيط رفيع يفصل بين جدلية انكباب صاحب الموقع الدستوري في دنيا السوق والاستثمار والبحث عن وجود المحرّمات حول هذا المسلك في سياق القانون والأُتيكيت السياسي.. وفي الذهن المؤثرات الإيحائية والتصويرية التي تنطلق من الجمهور صوب الشخصية السياسية الغارقة في بحور التجارة وعالم «البيزنس» وأبعادها على تركيبة النظام ورموزه وأبلغ برهان على صحة هذه المعطيات ما ورد على لسان المتعافي في حواره مع «السوداني» عندما ذكر قائلاً (هنالك كثيرون يتحدثون عن د. المتعافي كرجل أعمال وأنه نموذج لتجربة رجال الأعمال في الحكومات التي سقطت في مصر وتونس!!). وإذا كان القانون لا يطعن في ذمة أي شخص دون وجود الأدلة والبراهين، فالبقدر نفسه تتيح الأعراف والقوانين للشارع والجمهور أن يرسم الصور والمعلومات عن النشاط الاستثماري لأي سياسي سواء أكان في مجال الزراعة أوالانشاءات والحفريات أو الأثاثات والصناعة والنقل وخلافه. والدكتور المتعافي من شاكلة الدستوريين الموجودين في عالم الاستثمار غير أنه يرتكز كما أورد في مبرراته حول هذا المجال بعدم المزاوجة بين تكاليفه العامة وأعماله الخاصة.. فهل القوانين تسمح له بذلك؟؟ .. تعالوا إلى نصوص الإجابة.. فالشاهد أن دستور السودان لعام 2005م وهو ساريٍ المفعول ينص في المادة (75) الفقرة (2) على الآتي: لا يجوز لرئيس الجمهورية أو لأي من نائبيه أو مساعديه أو مستشاريه أو رئيس حكومة الجنوب أو الوزراء القوميين أو رئيس حكومة الجنوب أو الوزراء القوميين أو أي من شأغلي المناصب الدستورية من مزاولة أي مهنة خاصة أو ممارسة أي عمل تجاري أو صناعي أو مالي أثناء توليهم لمناصبهم. وربما يحاجج صاحب أي موقع عام بأنه أثناء توليه المنصب الدستوري قد ابتعد عن دوائر أعماله الاستثمارية في وجود من يوكله لكن مثل هذه الحجة تكون واهية لأن صاحب الوظيفة الدستورية الذي لديه أعمال تجارية هو بشر في نهاية المطاف يعرف كيف يرعى أحواله تحت أي أجواء!! لذلك قد يتأطَّر الموقف الصحيح في هذا المقام من خلال خطوة الشريف حسين الهندي الذي عُيِّن عام 1965م وزيراً للحكومة المحلية وكان يمتلك في ذلك الوقت شركة الأسواق الإفريقية فما كان منه إلا أن قام بإغلاق شركته على الفور درءاً للشبهات وتقديراً للوظيفة الدستورية!! الحبل الممدود بين الوظيفة الدستورية والأعمال التجارية يُشكِّل بداهة مخالفة صريحة لمطلوبات واشتراطات الوظيفة العامة لأن وزير الزراعة أو وزير الصناعة مثلاً... إذا كانا يستثمران في التصنيع أو الزراعة فإنهما يدخلان فيما يُسمى «بتضارب المصلحة» بحسب ما جاء في مفاهيم (منظمة الشفافية العالمية) لأن مثل هذين الوزيرين لديهما معلومات لا تتوفر لغيرهما ويمتلكان سلطات محجوبة عن المنافسين الآخرين وبذلك يدخلان في باب استغلال الوظيفة العامة وتحوير البوصلة صوب أهدافهما!! في السياق صار المتعافي السياسي الشهير الذي يخلط بين الوضع الدستوري والأعمال الخاصة حتى صار (أمثولة) على صعيد المسرح السوداني في زمن العواصف التي تهب على الأنظمة التي تحتضن مثل هذه النماذج. فهل تهتز الإنقاذ من نافذة المتعافي جراء هذا الوضع في حين هو ينتصب كعود غابة قائلاً لن أترك استثماراتي لأنني أصبحت وزيراً؟!! القوة المغناطيسية تشد المواطنين لمحاربة ظاهرة رجال الأعمال الحُكّام والمتعافي طل على المشهد طريح الجبين وهو يتساءل عن المسوِّغات قبل كشف القناع!!