{ وجَّه وزير العدل مولانا «محمد بشارة دوسة» نيابتي (المال العام)، و(الثراء الحرام والمشبوه) بإجراء تحرِّيات عاجلة مع المشتبه في ظهور بوادر الثراء المشبوه عليهم.. كما وجَّه - حسب «الأهرام اليوم» عدد الأمس - بملء استمارات إقرار الذمة لتشمل مديري الشؤون الماليَّة بالمؤسَّسات الحكوميَّة، مع تفعيل إقرارات الذمَّة لشاغلي الوظائف القياديَّة العليا عند بداية الخدمة ونهايتها، مع فحص تلك الإقرارات بصفة دوريَّة، جاء ذلك خلال زيارة الوزير للنيابتيْن قبل اجتماعه بإدارتيهما اليوم. { هذا هو الطريق الصحيح الذي كان يبغي أن تسلكه الدولة منذ زمن بعيد، تحقيقاً للعدالة وإرساءً لدعائم مجتمع الطهر، والنزاهة والشفافيَّة. { ولم يكن الأمر في حاجة إلى إنشاء (مفوضيَّة) لمحاربة الفساد و(قومة وقعدة).. وإهدار أموال، وميزانيَّات، وسيَّارات، وتعيينيات جديدة، بينما المفروض أن تقوم وزارة العدل، عبر أجهزتها المختصَّة، بهذه المهمَّة التي تُعتبر من بيْن واجباتها، ومهامها الأساسيَّة، في كل دول العالم المتحضِّر. { في إسرائيل (المتوحِّشة)، يمثُل رئيس الوزراء أمام ضابط شرطة صغير للتحرِّي معه في قضيَّة شبهة بالفساد، دون حاجة إلى تكوين (مفوضيَّة)!! إسرائيل (متوحِّشة) في مواجهة العرب والمسلمين، لكنَّها تطبِّق نظاماً (داخليَّاً) صارماً لتطبيق العدالة والديمقراطيَّة مع شعبها!! { لقد طالبت في هذه المساحة، وعبر فضائيَّة النيل الأزرق قبل أيَّام، بالكفِّ عن الُمضي في إنشاء مفوضيَّة لمحاربة الفساد، والاكتفاء بتفعيل نيابتي المال العام، والثراء الحرام والمشبوه، والإسراع في إحالة مختلسي المال العام وخائني الأمانة، والمفسدين ماليَّاً وإداريَّاً - طبقاً لتقرير المراجع العام لحكومة السودان - إحالتهم إلى المحاكم بأعجل ما تيسَّر. { ما يفعله وزير العدل بتوجيه من السيِّد رئيس الجمهوريَّة هو خطوات عمليَّة في الاتِّجاه الصحيح، غير أنَّني ألفت عناية مولانا «دوسة» إلى ضرورة (التمحيص) و(التدقيق) في اختيار أفضل الكفاءات القانونيَّة و(أطهرها)، و(أشجعها) للقيام بمهمَّة (اختراق) تكتُّلات الفساد الضاربة جذورها في أعماق المجتمع، المتطاولة أياديها وأنيابها إلى حيث لايتوقَّع الكثيرون! { الفساد منتشر في (القطاع الخاص)، ومتوفِّر في (القطاع العام)، والثراء الحرام والمشبوه مؤشِّراته واضحة وأدلَّته سامقة، طابقاً فوق طابق، بأحياء الخرطوم الراقية والشعبيَّة! { اسألوهم من أين أتوا بالمال ليبنوا «فيلات»، وعمارات، تكلف مليارات الجنيهات في «الطائف» و«الجريف» و«المجاهدين» و«المنشيَّة» و«أركويت» و«المعمورة» و«كافوري» و«الصافية»، و«الروضة» و«المهندسين بأم درمان»؟! { وليس بالضرورة أن يكونوا وزراء أو ولاة أو مستشارين أو قيادات في الأجهزة النظاميَّة، وهؤلاء جميعاً ينبغي أن يملأوا إقرارات الذمَّة ومن ثم يجيبون - إذا استدعى الأمر - على أسئلة واستفسارات وتحريات نيابة «الثراء الحرام والمشبوه» انطلاقاً من السؤال الكبير: ( من أين لكم هذا؟)، ولكن يجب أن تمتدَّ المظلة لتشمل كل الأثرياء (المشبوهين) في بلادنا الذين ظهروا على تربة مجتمعنا الطاهر كالنبت الشيطاني خلال سنوات قلائل. { بالله عليكم .. كيف تسنَّى لمدير شركة (حكوميَّة) أو رئيس مجلس إدارة (سابق) أن يمتلك فنادق ومجمعات قيمتها مئات الملايين من الدولارات، بينما لم يكن - هذا أو ذاك - شيئاً قبل عشر سنوات فقط!! { من أين لكم هذا؟! من أين لأولئك الذين كانوا قبل خمس سنوات أو سبع من غمار الناس، فإذا بهم في عداد المليارديرات؟ { أثرياء زمن الغفلة.. تجَّار المضاربات.. أباطرة غسيل الأموال وزعماء عصابات المخدِّرات والسلاح، هم اليوم أثرى من الحكومة.. وفي خزائنهم الخاصة يرقد الدولار.. بكميات هائلة، لا تتوفَّر حتَّى في بنك السودان! { نشاط وزير العدل وفاعليَّة نيابتي المال العام، والثراء الحرم، ستحدث أثراً كبيراً في تغيير الكثير من المسلَّمات، وتبدِّل نظام (التستُّر) الحزبي البغيض على المفسدين.. ستطير رؤوس قد أينعت، وستذهب رؤوس إلى المحاكمة، وتتساقط أخرى، وسيتبدَّل المشهد (السياسي) و(المدني) تبعاً لذلك، وهذا هو (التغيير) الذي ننشده، التغيير إلى الأفضل، لا تغيير (ميدان التحرير).. تغيير الفوضى والعبثيَّة. { يجب أن يتحسَّس الجميع مقاعدهم، وأياديهم، ويعلموا منذ اليوم أنَّ من تستدعيه (النيابة) لن يحميه أحد أو (حزب)، بل سيتبرَّأ منه الجميع، كما تبرَّأ الرئيس مبارك.. ونائبه عمر سليمان من الوزير رجل الأعمال أحمد عز، ووزير الداخليَّة اللواء «حبيب العادلي» في آخر أيام (الانهيار)، وأمرا بمنعهما من السفر، وإحالتهما وآخرين إلى التحقيق، غير أن القرار جاء (متأخراً جداً). { في السودان.. مازال الوقت (مبكِّراً) ويحتمل إصدار الكثير من القرارات في طريق (الإصلاح) بالتخلُّص من (جميع) المفسدين وفي كافَّة القطاعات، وكافَّة المجالات.